لهم لغاية البعد هذا بحسب التّنزيل ولفنائهم عن أفعالهم واوصافهم وذواتهم بحسب التّأويل لكنّهم معلومون لنا باقون في علمنا لم يعزبوا عن علمنا والجملة حاليّة أو مستأنفة (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) موصلا الى ما بين مطلع الشّمس ومغربها (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) اى الجبلين الّذين بنى بينهما سدّا ، سمّاهما باسم السّدّ مجازا بعلاقة المجاورة ، أو سمّاهما سدّين لكونهما حاجزين من العبور (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) لا من خلفهما (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) لبعدهم عن أرباب اللّغات المعروفة وقلّة فطانتهم بحيث لا يفقهون المقصود الاخروىّ من الكلام لعدم توجّههم الى الآخرة وعدم سلوكهم إليها ، بل علومهم كانت محصورة على عمارة الدّنيا لكنّهم كانوا مستعدّين للتّفطّن والإصلاح ملقين السّمع للتّسليم والانقياد ولذا لم يقل تعالى : امّا ان تعذّب أو تتّخذ فيهم حسنا وقالوا تسليما هل نجعل لك خرجا (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) هما بحسب التّنزيل قبيلتان من ولد يافث بن نوح (ع) كما قيل ، وقيل : يأجوج من التّرك ومأجوج من الجيل ، وروى انّ جميع التّرك والسّقالب ويأجوج ومأجوج والصّين من يافث بن نوح (ع) حيث كانوا ، وامّا بحسب التّأويل فالمراد بيأجوج ومأجوج الشّياطين والجنّة ، أو صنفان منهم في العالم الكبير وما تولّد منهما من القوى والجنود في العالم الصّغير وهما خلف البرزخ في العالم الكبير وخلف السّدّ الّذى يبنيه خلفاء الله بالتّلقين والتّعليم في العالم الصّغير ، واشتقاقهما من أجّ إذا أسرع ، أو من أجّ النّار إذا اشتعل النّار ، وهو يشعر بالتّأويل فانّ الشّياطين والجنّة خلقوا من النّار وهم مسرعون في الفساد ، وعلى هذا كان منع صرفهما للعلميّة والتّأنيث وان كانا عجميّين فللعجمة والعلميّة ، وما ورد في الاخبار من بيان حالهما وجثّتهما وكيفيّة نقبهما للسّدّ وخروجهما من خلف السّدّ وأكلهما النّاس وشربهما للأنهار المشرقيّة والبحيرة الطّبريّة وكثرتهما وطول بقائهما وكثرة ما تناسلوا تماما يدلّ على التّأويل ، وامّا سدّ يأجوج ومأجوج في وجه الأرض فلم ينقل أحد من المورّخين على التّحقيق كيف هو؟ واين هو؟ وما حال يأجوج ومأجوج؟ وما حال من دون السّدّ؟ ولعلّه غار في الماء أو غاب عن الانظار حتّى انمحى خبره عن الاخبار واثره عن الآثار والّا لما انمحى خبره ؛ وما ذكر من التّواريخ اخبار تقريبىّ وذكر تخمينىّ (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) يعنى في أرضنا بالقتل والنّهب ، وورد انّهم كانوا يأكلون النّاس وكانوا يرعون في الزّروع والثّمار ويأكلون المأكولات ويحملون غير المأكولات (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) نؤدّيه إليك التمسوا منه قبول الخراج (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) يمنعهم عن الخروج علينا ولعلّه كان خروجهم من طريق واحد لا يمكنهم الخروج من غيره كما أشعر به قوله بين السّدّين (قالَ) تيسيرا عليهم وترحّما (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) ممّا تجعلون لي من الخراج فلا حاجة لي الى الخراج (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) يعنى لا حاجة لي الى أموالكم لكن امدّونى بقوّتكم ومقدوركم من العملة والآلات وما يحتاج اليه بناء السّدّ (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) وهو أعظم من السّدّ أجابهم بأعظم من مسئولهم (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) الزّبرة القطعة العظيمة والجملة بدل تفصيلىّ من قوله أعينوني (حَتَّى إِذا ساوى) يعنى فآتوه زبر الحديد حتّى إذا ساوى ذو القرنين أو الحديد (بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) قرئ الصّدفين بالتّحريك وبضمّتين وبضمّ الاوّل وسكون الدّال والمقصود منهما جانبا الجبلين (قالَ) للعملة (انْفُخُوا) في المنافيخ (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) كالنّار باحمائه (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) قطرا متنازع فيه لكلا الفعلين ، والقطر النّحاس روى عن مولانا ومقتدانا أمير المؤمنين (ع) انّه قال : فاحتفروا له جبل حديد فقلعوا له أمثال اللّبن فطرح بعضه على بعض فيما بين الصّدفين ، وكان ذوا القرنين هو اوّل