من بنى ردما على وجه الأرض ثمّ جعل عليه الحطب وألهب فيه النّار ووضع عليه المنافيخ فنفخوا عليه قال فلمّا ذاب قال آتوني بقطر فاحتفر وله جبلا من مسّ فطرحوه على الحديد فذاب معه واختلط به (فَمَا اسْطاعُوا) بحذف تاء الاستفعال اشعارا بنفي القدرة الضّعيفة فضلا عن القويّة (أَنْ يَظْهَرُوهُ) لملاسته وغاية ارتفاعه ، ولعلّهم كانوا كالبهائم لم يتفطّنوا صنعة الدّرج أو جمع التّراب خلف السّدّ بحيث يستوي التّراب مع السّدّ فانّهم مع كثرتهم لو تفطّنوا به سهل عليهم ذلك وكان الجبلان محيطين بهم من أطرافهم أو منتهيين الى البحر بحيث لا يمكنهم العبور من نواحيهما وكان ارتفاع الجبلين كالسّدّ في الملاسة والارتفاع من غير سفح ولم يعلموا صنعة النّقب أو لا يمكنهم لانّ ذا القرنين حضر الأرض حتّى بلغ الماء فبنى السّدّ (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) لصلابته (قالَ) ذوا القرنين (هذا) السّدّ أو الاقتدار على تسويته (رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) بقيام السّاعة أو بخراب الدّنيا ، وان كان المراد بوعد الرّبّ قيام السّاعة فالمعنى إذا قرب مجيء وعد ربّى (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) مدكوكا مسوّى بالأرض ، وقرئ دكّاء بالمدّ (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) لا تخلّف فيه ، نقل انّه إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزّمان انهدم ذلك السّدّ وخرج يأجوج ومأجوج الى الدّنيا وأكلوا النّاس وهو قوله (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ،) وعن الصّادق (ع) ليس منهم رجل يموت حتّى يولد له من صلبه الف ولد ذكر ثمّ قال : هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة ، وعن النّبىّ (ص) انّه عدّ من الآيات الّتى تكون قبل السّاعة خروج يأجوج ومأجوج ، وعنه (ص) انّه سئل عن يأجوج ومأجوج فقال : يأجوج أمّة ومأجوج أمّة ، وكلّ أمّة اربعمائة أمّة ؛ لا يموت الرّجل منهم حتّى ينظر الى الف ذكر من صلبه كلّ قد حمل السّلاح ، قيل : يا رسول الله (ص) صفهم لنا ، قال : هم ثلاثة أصناف ؛ صنف منهم أمثال الأرز (١) قيل : يا رسول الله (ص) وما الأرز؟ ـ قال : شجر بالشّام طويل ، وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء ، وهؤلاء الّذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد ، وصنف منهم يفترش احدى أذنيه ويلتحف بالأخرى ولا يمرّون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير الّا أكلوه ، مقدّمتهم بالشّام وساقتهم بخراسان ، يشربون أنهار المشرق وبحيرة الطّبريّة ، وورد أيضا انّهم يدأبون في حفر السّدّ نهار هم حتّى إذا امسوا وكانوا يبصرون شعاع الشّمس قالوا : نرجع غدا ونفتحه ولا يستثنون ، فيعودون من الغد وقد استوى كما كان حتّى إذا جاء وعد الله قالوا : غدا نفتح ونخرج ان شاء الله فيعودون اليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه فيخرجون على النّاس فيشربون المياه ويتحصّن النّاس في حصونهم منهم فيرمون سهامهم الى السّماء فترجع وفيها كهيئة الدّماء فيقولون : قد قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السّماء ، فيبعث الله عليهم بققا في اقفائهم فتدخل في آذانهم فيهلكون بها ، وعن الصّادق (ع) في قوله عزوجل (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) قال التّقيّة فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا ، قال إذا عملت بالتّقيّة لم يقدروا لك على حيلة وهو الحصن الحصين وصار بينك وبين أعداء الله سدّا لا يستطيعون له نقبا فاذا جاء وعد ربّى جعله دكّا قال : رفع التّقيّة عند الكشف فانتقم من أعداء الله ، وهذه الاخبار كما ترى على التأويل ادلّ منها على التّنزيل خصوصا الخبر الأخير فانّه صريح في التّأويل (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) يعنى يوم إتمام السّدّ خلف السّدّ يموجون يختلطون لا يقدرون على الخروج أو يوم دكّ السّدّ والخروج يموجون على وجه الأرض لإسراعهم الى القتل والنّهب أو يوم القيامة كما نسب الى مولانا أمير المؤمنين (ع) ، والتّأدية بالماضي على الاوّل ظاهر وعلى الثّانيين لتحقّق وقوعه أو لوقوعه بالنّسبة الى محمّد (ص) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) اى يأجوج ومأجوج ومن دون
__________________
(١) الأرز بفتح الهمزة وضمّها وسكون الرّاء المهملة شجر الصّنوبر أو شجر السّرو.