السّدّ أو يأجوج ومأجوج فقط (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) اى عن تذكّرى حين رؤية المصنوعات الّتى يتذكّر بها.
اعلم ، انّ الذّكر هاهنا بمعنى ما يتذكّر به وبهذا المعنى جملة المصنوعات ذكر لله وبحسب اختلاف التّذكّر بها يختلف المصنوعات في اطلاق الذكّر عليها قوّة وضعفا ولذا سمّى بعضها ذكرا دون بعض كالقرآن والرّسول (ص) والامام (ع) ، ولفظ اللسّان وذكر الجنان والسّكينة القلبيّة والصّلوة ، والمقصود انّ الكافرين هم الّذين كانت أعينهم القلبيّة في غطاء من الأهواء والآمال وسائر صفات النّفس عمّا يتذكّر به الله من حيث انّه ذكر لله وان كانت أعينهم الظّاهرة مشاهدة للمصنوعات كالقرآن والرّسول (ص) والامام (ع) مثلا ، ولمّا كان علىّ (ع) بعلويّته حقيقة ذكر الله تعالى فسّروه بعلىّ (ع) وولايته ؛ فعن الرّضا (ع) انّ غطاء العين لا يمنع من الذكّر والذكّر لا يرى بالعين ولكنّ الله عزوجل شبّه الكافرين بولاية علىّ (ع) بن ابى طالب بالعميان لانّهم كانوا يستثقلون قول النّبىّ (ص) فيه ولا يستطيعون له سمعا ، وعن الصّادق (ع) في هذه الآية يعنى بالذّكر ولاية أمير المؤمنين (ع) قال : كانوا لا يستطيعون إذا ذكر علىّ (ع) عندهم ان يسمعوا ذكره لشدّة بغض له (ع) وعداوة منهم له (ع) ولأهل بيته (ع) (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) اى لا يقدرون على التّقليد والانقياد ، والمقصود انّ الكفّار ليس لهم قلب حتّى يمكنهم التّحقيق به والشّهود لعلىّ (ع) من حيث كونه ذكرا ولا يلقون السّمع والانقياد حتّى يكونوا من أهل التّسليم والسّلامة كما أشار الى المقامين بقوله تعالى : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بولاية علىّ (ع) (أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي) من دون اذنى (أَوْلِياءَ) أو ان يتّخذوا عبادي حالكونهم من دوني اى مغايرين لي أولياء يعنى أفحسبوا ان يتّخذوا معاوية وليّا من دون علىّ (ع) أو من دون اذنى أو مغايرين لي غير متّصلين بى هكذا فسّرت الآية في الاخبار ولا ينافي ذلك تعميم الآية في كلّ كافر وفي كلّ متّخذ وليّا أو معبودا من دون اذن من الله في ولايته أو في تولّيه (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ) بولاية علىّ (ع) (نُزُلاً) منزلا أو مهيّأ لهم تشريفا فانّ النّزل ما يتهيّئوا للضّيف النّازل تشريفا له (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) خسران الرّجل ضلاله ، وخسران التّجارة المبايعة بنقصان البضاعة أو الغبن في المعاملة ، وخسران العمل ضياعه وبطلانه بلا ثمر ، فالخاسر العمل من لا يترتّب على عمله فائدته المقصودة منه ولا يبقى من عمله اثر ينفعه ، والأخسر من كان يترقّب بعمله خيرا كثيرا ويتعب نفسه فيه ثمّ لم يترتّب على عمله مأموله أو ترتّب عليه ضدّ مأموله.
اعلم ، انّ الإنسان من حيث مقام نفسه واقع بين العالمين قابل لتصرّف الجنّ والشّياطين فيه ولتصرّف الملائكة والأرواح الطّيّبة ، وكلّما يفعله في هذا المقام يكون امّا بحكومة حكّام الله أو بحكومة حكّام الشّيطان لانّه في هذا المقام محكوم صرف لا حكومة له في نفسه ولا في غيره ولذا فسّر قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) بمن حكم بغير ما انزل الله لانّه لا يكون خاليا عن حكم ما البتّة ، وإذا لم يحكم بما انزل الله يكون حاكما في حكم ما بغير ما انزل الله ، وكلّما يفعله بحكومة الشّيطان يكون ضائعا خاسرا لكنّه إذا تنبّه بان فعله بحكومة الشّيطان وانزجر من فعله ولام نفسه أو تردّد في انّ فعله من حكومة الله أو حكومة الشّيطان أو كان غافلا عن الحكومتين في فعله كان خاسرا ولم يكن أخسر عملا ، لانّه لم يبطل استعداده لمراتب الطاف الله من الغفران والعفو والصّفح والتّكفير وتبديل السّيّئات حسنات ، وإذا لم يتنبّه بذلك بل اعتقاد انّ فعله بحكومة الله وانّ له عليه اجرا يكون أخسر ، لانّه ضلّ عمله وهو يحسب انّ عمله مدّخر له وأبطل بذلك استعداده لتدارك الطاف الله بجهله المركّب الّذى عدّه علماء الأخلاق من