فيه ، في الخبر عن الصّادقين (ع) انّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبدا قبل ان يتّخذه نبيّا ، وانّ الله اتّخذه نبيّا قبل ان يتّخذه رسولا ، وانّ الله اتّخذه رسولا قبل ان يتّخذه خليلا ، وانّ الله اتّخذه خليلا قبل ان يتّخذه إماما ، وقد أشار بعد الاشارة الى انتهاء العبوديّة الى المراتب الأربع الكلّيّة الّتى هي أمّهات مراتب الخلافة الالهيّة ، وتحت كلّ مرتبة منها مراتب جزئيّة الى غير النّهاية ، وشرحها على سبيل الإجمال بحيث لا يشمئزّ منه طباع الرّجال ولا يصير سببا للشّين والجدال ان يقال : انّ الإنسان من بدو خلقته الى آخر مراتب وجوده الّتى لا نهاية لها يطرو عليه الأحوال المختلفة ويتشأّن بشؤن متضادّة كأنّه كلّ يوم هو في شأن : فاوّل خلقته نطفة في قرار مكين ، ثمّ يتدرّج في أطوار الجماديّة الى ان وصل الى مرتبة النّبات متدرّجا فيه ، الى ان ينفخ فيه الرّوح الحيوانيّة متدرّجا الى ان ينفخ فيه الرّوح الدّماغيّة ، ثمّ بعد استحكام أعضائه وبشرته بحيث يستعدّ لمباشرة الهواء يتولّد وفيه المدارك الحيوانيّة الظّاهرة بالفعل متدرّجا الى ان صار مداركه الباطنة بالفعل وفيه العقل بالقوّة ويسمّى العقل الهيولانىّ ، وغذاءه في الرّحم دم منضوج يصلح لان يكون غذاءه ، وبعد التّولّد أيضا دم مستحيل الى اللّبن ليكون موافقا لبدنه ، وبعد استحكام أعضائه وشدّة عظمه وغلظه بحيث لا يستضرّ بغير اللّبن يفطم من اللّبن ويغتذي بلذائذ الاغذية ، ولا يعرف الّا ما يشتهيه الى ان يصل الى أوان المراهقة ويميز بين الخير والشّرّ في الجملة متدرّجا فيه الى زمان الرّشد واستعداد التّميز بين الخير والشّرّ الباطنين ، وحينئذ يصير عقله بالفعل ويستعدّ لان يدرك الأوامر والنّواهى التّكليفيّة. فان وفّقه الله لطلب من يأمره وينهاه من الله وطلب بصدق يصل بفضله تعالى لا محالة الى رسول من الله أو خليفة الرّسول ويقبل رسالته أو خلافته ، فاذا قبله علّمه آداب الوصل والمبايعة والمعاهدة وبايع وعاهد وبعد البيعة والميثاق لقّنه أحكام القالب وحذّره من الانس بالنّفس الامّارة وينهاه من الاهوية الكاسدة وأوحشه منها ، فاذا توحّش وفطم عن لبنها طلب من يأنس به ويغذو من غذائه ، فاذا طلب بصدق وصل لا محالة الى رسول من الله أو خليفته ثانيا وقبل ولايته فاذا قبل ولايته وتسلّطه الباطنىّ علّمه آداب الوصل والمبايعة الخاصّة والميثاق الخاصّ وبايعه وعاهده بالبيعة الولويّة الباطنة القلبيّة الخاصّة ولقّنه احكام القلب وآنسه بأبيه العقل بعد فطمه من أمّه النّفس وأطعمه من غذاء أبيه ؛ والمبايعة الاولى تسمّى إسلاما والثّانية تسمّى ايمانا. ولا يمكن للمسلم ان يسلك الى الله ولا الى الطّريق من حيث إسلامه ، فانّ المسلم قبل إسلامه بمنزلة من ضلّ في بيداء عميقة لا يظهر فيها آثار الطّريق وتكون كثيرة السّباع وفيها قطّاع الطّريق وهو غافل عن ضلالته وعن سباعها ويظنّ انّه في الطّريق أو في موطنه ومحلّ قراره آمنا من كلّ ما يوذيه ، والرّسول أو خليفته بمنزلة من ينبّهه عن غفلته ويخبره بضلالته وبكثرة السّباع والموذيات فيتوحّش ويطلب طريقا ينجيه ودليلا يهديه فيسلّم قوله ويلتمس منه الدّلالة على آثار الطّريق فيقول : انّما انا منذر عن المخاوف ومنبّه عن الغفلة وللطّريق هاد فيبيّن علامة من هو هاد ويقول : من كنت مولاه فعلىّ (ع) مولاه مثلا ، ولذا كان شأن النّبىّ (ص) منحصرا في الإنذار والهداية موكولة الى من عيّنه لاولى الأبصار (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ، فاذا عيّن النّبىّ (ص) أو خليفته من كان يدلّه على الطّريق يتسرّع لا محالة اليه ويلتمس منه آثار الطّريق فيأخذ منه المواثيق الاكيدة بالمبايعة والمعاقدة ثمّ يعلّمه آثار الطّريق وهو الايمان ، فاذا امن وعلم آثار الطّريق فان تسرّع بآثاره وعلائمه يكن حينئذ سالكا الى الطّريق خائفا من السّباع والموذيات ، ومن عدم الوصول فيتعب نفسه في السّير والحركة اليه وكثيرا ما يعارضه الغيلان والسّباع وقطّاع الطّريق والموذيات فيدافع ويدفع عن نفسه بالسّلاح الّذى أعطاه المنذر اوّلا والهادي ثانيا فينجو منهم بقوّة السّلاح ان شاء الله ، فيصل الى الطّريق الّذى هو علىّ (ع) ويحصل