له الحضور عنده ويسمّى عندهم تلك المرتبة بالفكر والحضور ، ويحصل له الرّاحة بعد التّعب والسّرور بعد الحزن والبشارة بعد الخوف واللّذّة بعد الألم ، ويصير سالكا بعد ذلك الى الله. فانّه بعد الإنذار متحيّر متوحّش خائف ، وبعد الدّلالة على الطّريق سألك الى الطّريق خاثف راج متعب نفسه ، وبعد الوصول الى الطريق الموصل الى الله سألك الى الله راج خائف ، لكن خوفه ليس عن المهلك والموذي ولا خوف النّفس الامّارة المسمّى بالخوف ولا خوف النّفس العالمة بالله المسمّى بالخشية بل خوف القلب المسمّى بالهيبة ، والسّالك في هذه الحالة قد يفنى عن نسبة الأفعال الى نفسه ويرى الأفعال من علىّ (ع) وقد يشارك عليّا (ع) في الأفعال وقد يتّحد معه في ذلك ويسمّى فناؤه عن الأفعال بالفناء الفعلىّ ، فاذا سار وسلك وارتفع درجة حتّى لا ينسب الصّفات الى نفسه بل يرى الصّفات أيضا من علىّ (ع) صارت الاثنينيّة ضعيفة والمعاينة قويّة بحيث كاد أن لا يرى نفسه ويسمّى بالفناء عن الصّفات ، لكن له رجاء وخوف بقدر شعوره بنفسه وان كان ذاهلا عن الشّعور بالخوف والرّجاء وخوفه يسمّى سطوة ، فاذا سار معه الى ان لا يرى نفسه ويغيب في حضوره عنده عن نفسه صارت الاثنينيّة مرتفعة ولم يكن له حينئذ نفسيّة حتّى يكون له رجاء وخوف ، ويصير حينئذ مصداقا لقوله (ع): إذا وصلوا اتّصلوا فلا يكون فرق بينه وبين حبيبه ، ويسمّى بالفناء الذّاتيّ ؛ ويسمّى الفناءات بالمحو والمحق والطّمس وهو قبل الإسلام يسمّى ضالّا تائها وبعده يسمّى مسلما وطالبا. فان لم يطلب من يهديه الى الطّريق ووقف خصوصا بعد الانقطاع عمّن أسلم على يده يسمّى أيضا ضالّا ولذلك ورد : من أصبح من هذه الامّة لا امام له من الله تعالى أصبح ضالّا تائها ، وان مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق. وبعد الوصول الى إمامه وولىّ امره والمبايعة معه وإعطاء الميثاق له يسمّى سالكا وسائرا الى الطّريق لا الى الله بلا واسطة ، وان كان سيره الى الطّريق سيرا الى الله ويسمّى سيره هذا سفرا من الخلق الى الحقّ ، وبعد وصوله الى الطّريق يصير سالكا الى الله ويسمّى سيره هذا سفرا من الحقّ بالحقّ الى الحقّ ، فاذا وصل وفنى عن أفعاله وصفاته وسار بالوصال في فناء ذاته يسمّى سائرا في الله ويسمّى سيره هذا سفرا بالحقّ في الحقّ ، وبهذا السّير يتمّ له العبوديّة والفناء ولا يبقى منه ذات ولا اثر ويصير وصاله اتّصالا وينتقل بعد ذلك عبوديّته الى الرّبوبيّة وفناؤه الى البقاء. وما قالوا : من انّ الفقر إذا تمّ فهو الله ، اشارة الى هذا فانّه بعد صحوه يصير موجودا بوجود الله وباقيا ببقاء الله وحاكما بحكم الله وخليفة لله ، لانّه إذا صار عبدا لله وعلم الله صدق عبوديّته ردّه الى ما عاد منه ووكله بأمور بيته الّذى هو قلبه وشرّفه بشرافة خلافة البيت فاذا وجده في إصلاح البيت بصيرا أمينا كاملا وكله بأمور مملكته وشرّفه بشرافة خلافة المملكة ويسمّى هذا العود بعد الأوب سفرا من الحقّ الى الخلق بالحقّ ، فاذا وجده في إصلاح المملكة وتعمير بلادها وتكثير عبادها بصيرا أمينا بالغا دعاه ثانيا الى مقام الانس وآنسه بنفسه ، لكن هذا الحضور غير الحضور الاوّل ؛ فانّ الاوّل دهشة وحيرة وفقر وفاقة وهذا انس وحشمة وغناء لكن بأنس الله وحشمته وغنائه. فاذا آنسه وارتضاه فوّض اليه جميع أموره من عباده وجنوده وسجنه وسجّينه وأضيافه ومضيفه وإعطائه ومنعه فمن شاء يسجنه ومن شاء يضفه ، ومن شاء يعطه ومن شاء يمنعه فله التّسلّط والتّصرّف فيمن شاء كيف شاء ويسمّى هذا في الحضور الاوّل والفناء التّامّ عبدا ، وفي حال إصلاح البيت نبيّا ، وفي حال إصلاح المملكة رسولا ، وفي الحضور الثّانى خليلا ، وفي حال التّفويض إماما ؛ وهذه الامامة غير ما يطلق على ائمّة الجور ، وغير ما يطلق على ائمّة الجماعة ، وغير ما يطلق على الأولياء الجزئيّة بل هي مرتبة لا يتصوّر فوقها مرتبة. ولا يلزم ممّا ذكرنا ان يكون كلّ من بايع النّبىّ (ص) بالبيعة العامّة وصل الى مقام البيعة الخاصّة كأكثر العامّة ، ولا كلّ من بايع البيعة الخاصّة وصل الى الطّريق كأكثر الشّيعة ، ولا كلّ من وصل الى الطّريق وصل الى الحقّ ، ولا كلّ من