تَوَّاباً رَحِيماً) يتوب على من تاب ويرحم على من ندم ، ولمّا أوهم من نسبة وصف التّوبة والرّحمة اليه تعالى انّه يتوب على العاصي اىّ عاص كان استدركه فقال تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) يعنى انّ التوبة حالكونها واجبة على الله بمقتضى وعده وإيجابه ليست الّا (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) ويجوز ان يكون على الله خبرا.
تحقيق كون السّيّئات تماما بجهالة
اعلم انّه تعالى خلق اوّل ما خلق عالم العقول الكلّيّة الّتى يعبّر عنها بالقلم والملائكة المقرّبين والكتاب المبين وغير ذلك من الأسماء اللائقة المطلقة عليها ، ثمّ عالم العقول العرضيّة الّتى تسمّى في لسان الحكماء بأرباب الأنواع وأرباب الطّلسمات وبالأرواح والصّافّات صفّا ، ثمّ عالم النّفوس الكلّيّة الّتى تسمّى باللّوح المحفوظ والمدبّرات امرا ، ثمّ عالم النّفوس الجزئيّة الّتى تسمّى بالملائكة ذوي الاجنحة وبالقدر العلمىّ ولوح المحو والإثبات وبعالم الملكوت العليا وبعالم المثال والأشباح النّوريّة ، ثمّ عالم الأجسام علويّة كانت أو سفليّة من العناصر ومواليدها وتسمّى بالأشباح الظّلمانيّة والقدر العينىّ ، ثمّ عالم الأرواح الخبيثة الّتى هي الشّياطين والجنّة والأرواح البشريّة الّتى تلحق بها وتسمّى بعالم الملكوت السّفلىّ وهذا العالم بحسب رتبة الوجود تحت عالم الطّبع كما انّ عالم المثال النّورىّ فوق عالم الطّبع ، وهذا العالم أنكره كثير من الحكماء القائلين بالأشباح النّوريّة والأجسام المجرّدة الّتى تسمّى عندهم بعالم المثال وهم اتباع صاحب الاشراق ، والمشّاؤن أنكروا المثال النّورىّ فضلا عن الظّلمانىّ وقالوا : انّ الموجود الممكن امّا مجرّد صرف أو مادّىّ صرف وامّا المتقدّر المجرّد عن المادّة فلا وجود له ، وامّا المتكلّمون والفقهاء فليس شأنهم البحث عن أمثال هذا من حيث اشتغالهم بالفقه والكلام فانّ موضوع الفقه افعال العباد من حيث الصّحّة والفساد الشّرعىّ ، وموضوع الكلام العقائد الدّينيّة المأخوذة عن المسلّميّات ، والدّليل على وجود العالمين شهود أهل الشّهود لهذين العالمين ومنامات عامّة الخلق ورؤيتهم في المنام الملذّات والموذيات ومطابقة رؤياهم للواقع في بعض الأوقات ، ولو لا شهودهم لتينك في عالم محقّق مطابق لما في هذا العالم محيط به لما طابق الواقع وخلوّ المثال النّورىّ عمّا يؤذى دليل على المثال الظّلمانىّ ، وتصرّفات أهل الشرّ في هذا العالم مثل تصرّفات أهل الخير شاهد على وجود المثال الظّلمانىّ واحاطته بهذا العالم ، واطّلاع أهل الشّرّ على المغيبات واشرافهم على الخواطر كاطّلاع أهل الخير يشهد بذلك ، وإشارات الكتاب وشواهد السّنّة على وجود هذا العالم كثيرة ، فتح الله عيوننا بها ، ولمّا كانت العوالم تجلّياته تعالى شأنه وأسماؤه اللّطفيّة سابقة على أسمائه القهريّة كان خلق العوالم النّوريّة بأرواحها وأشباحها من تجليّاته اللّطفيّة الخالصة ، ولمّا تمّ تجليّاته النّوريّة الخالصة في عالم المثال النّورىّ تجلّى بأسمائه اللّطفيّة والقهريّة فصار عالم الطّبع موجودا ، ثمّ تجلّى بأسمائه القهريّة بحيث كان اللّطف مقهورا تحت القهر فصار عالم المثال السّفلىّ موجودا ، وبوجه آخر لمّا انتهى تجلّياته تعالى الى عالم الطّبع وقفت وما نفذت عنه لكثافته واظلامه فانعكست تلك التّجليّات كانعكاس الضّوء عن المرآة فصار ذلك العكس مثالا لهذا العالم ، نوريّا صاعدا بإزاء المثال النّورىّ النّازل وحصل من كثافة هذا العالم ظلّ ظلمانىّ تحته فصار مثالا ظلمانيّا وهذا المثال الظّلمانىّ محلّ للّشياطين وأبالستها والجنّة وعفاريتها ، وبهذا العالم يصحّح الجحيم ودركاتها وحميمها وحيّاتها وجميع موذياتها وبه يتمّ الأرض وطبقاتها ، ولا حاجة لنا الى تأويل شيء ممّا ورد في الشّريعة المطهّرة من أمثال ما ورد في المعاد الجسمانىّ والجنّة والشّياطين وغير ذلك كما فعله المشّاؤن والاشراقيّون من الحكماء ، ولا الاكتفاء بمحض التّقليد والسّماع عن صادق من غير تحقيق وتفتيش عن حقيقة ما ورد ، كما قنع به الشّيخ الرّئيس في المعاد الجسمانىّ لإنكاره العالمين ، وكما قنع به المقلّدون