أوصياء عيسى (ع) وهؤلاء انتحلوا التّنصّر لا انّهم بايعوا على النّصرانيّة (أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) بعد بيان حال اليهود بيّن حال النّصارى للتّعريض بامّة محمّد (ص) يعنى أخذنا ميثاق أسلافهم لاوصياء عيسى (ع) (فَنَسُوا) كاليهود (حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) فصار النّسيان سببا لاختلافهم (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ) بالافعال (وَالْبَغْضاءَ) بالقلوب وكان ذلك خزيهم في الدّنيا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) يعنى ينبّئهم في الآخرة فيعذّبهم عليه فاحذروا ان تكونوا مثلهم في نسيان الميثاق لعلىّ (ع) يا أمّة محمّد (ص) فيقع بينكم العداوة والبغضاء في الدّنيا ويؤاخذكم الله عليه في الآخرة (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) كتاب النّبوّة بصورة التّوراة والإنجيل تعريض بامّة محمّد (ص) واخفائهم بعده كثيرا من الكتاب وبتبيين علىّ (ع) لهم ما يخفون ، وقد ذكر في نزول الآية انّه كان في زان وزانية محصنين من أشراف اليهود وكرهوا رجمهما فسألوا محمّدا (ص) عن ذلك فقال (ص): حكمهما الرّجم ، فأبوا ورضوا بابن صوريا وكان أعلم اليهود فسأله محمّد (ص) عن ذلك فقال (ص) : نعم هو الرّجم فأمر بهما النّبىّ فرجما عند باب مسجده (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) يعرض عنه ولا يظهره (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) تأكيد للجملة الاولى ولذا لم يأت بالعطف ، وكونه تأكيدا إذا كان المراد بالنّور الولاية وبالكتاب النّبوّة ظاهر ، فانّ الرّسول صاحب الولاية والنّبوّة ، وإذا كان المراد بالنّور أمير المؤمنين (ع) وبالكتاب القرآن أيضا ظاهر ، لانّ الرّسالة تستلزم ما به الرّسالة وما لأجله الرّسالة والاوّل الكتاب والثّانى الولاية ، وعلمت سابقا انّها من شؤن الولىّ ومتّحدة مع علىّ (ع) (يَهْدِي بِهِ اللهُ) توحيد الضّمير ان كان راجعا الى الكتاب أو النّور ظاهر ، وان كان راجعا إليهما كان باعتبار انّ الكتاب ليس الّا ظهور النّور (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) هو ولاية علىّ (ع) والبيعة له كما أشير اليه في قوله : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) يعنى يهدى بالكتاب من بايع عليّا (ع) بالبيعة الولويّة (سُبُلَ السَّلامِ) طرق الله أو طرق السّلامة (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) المتراكمة الّتى في مرتبة النّفس (إِلَى) عالم (النُّورِ) وهو فسحة عالم الرّوح (بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو المراتب النّورانيّة لعلىّ (ع) الّتى معرفتها معرفة الله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) قيل انّهم فرقة منهم وهم اليعقوبيّة يقولون باتّحاده تعالى مع عيسى (ع) لكن نقول : اعتقاد النّصارى انّ عيسى (ع) فيه جوهر الهىّ وجوهر آدمىّ وباعتباره الإلهيّ يقولون هو الله ومرادهم تأكيد اتّحاده مع عيسى (ع) باعتبار جوهره الإلهيّ ويقولون : هو باعتبار جوهره الآدميّ ابن ومولود وجسم ومقتول ومصلوب ، هذا اعتقاد محقّقيهم ، وامّا اتباعهم فلا يعرفون منه الّا مقام بشريّته ويقولون : هو الله ومقصودهم مقام بشريّته (قُلْ) يا محمّد (ص) للردّ عليهم ان كان الأمر كما تقولون (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) مفعول يملك ومن الله حال منه مقدّم عليه ، والمعنى لا يقدر أحد على شيء ممّا يملكه الله بتغييره أو دفعه فانّ الملك عبارة عن قدرة التّصرّف في المملوك ، وان كان في عيسى (ع) جوهر الهىّ كان قادرا على التّغيير والدّفع (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) بيان لحال النّصارى وقالهم وتوهين لهم وتعريض بالغالى من أمّة محمّد (ص) وبالقائلين منهم بالاتّحاد