الاحتكاك الثقافي واللقاء الحضاري :
إذا كان الكتاب والسنّة وحديث العترة الطاهرة هو المنطلق لنشوء علم الكلام وظهوره بين المسلمين ، فقد كان للاحتكاك الثقافي واللقاء الحضاري دور خاص في ذلك المجال ، وهو أنّه دفع عجلة علم الكلام إلى الأمام ، وصار سببا لنموه ونضوجه بين المسلمين بأقصر مدة ، ولو لا هذا الصراع الفكري لما نمت تلك البذور الطيبة الكامنة في الكتاب والسنّة ، وما استوت على سوقه ، وهذان العاملان (الداخلي والخارجي) وإن صارا سببا لنشوء هذا العلم وتكامله إلّا أنّ دور الأوّل ، يخالف دور الثاني ، فالأوّل يعد مصادر علم الكلام ومنابعه ومناشئه ، وأمّا الثاني ، فهو الذي أيقظ المفكرين من المسلمين حتّى ينمّوا ما تعلموه في مدرسة الدين من الأصول والعقائد ، وإليك بيان ذلك العامل الخارجي.
بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بدين عالمي ، ونبوة خاتمة ، وكتاب خاتم للكتب ، والمهيمن عليها ، وبثّ شريعته الغراء في ربوع الجزيرة العربية في بضع سنين ، إلى أن مضى إلى جوار ربّه ، وراية الإسلام خفّاقة عالية ، تدين أهلها بالتوحيد ، وتكافح الثنوية ، وتؤمن بالحياة الأخروية وتعمل بسنن الإسلام وطقوسه.
وقد أحسّ المسلمون بواجبهم بعد رحلته ، وهو نشر الإسلام وبسطه في العالم كلّه ودعوة جميع البشر على مختلف قومياتهم إلى الانضواء تحت راية الإسلام ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، ثم كسر الأصنام والأوثان بالجهاد المتواصل ، وبذل النفس والنفيس في سبيله ، حتى تصبح الأجواء صافية ، والظروف حرّة ، وترتفع العوائق والموانع بغية دخول الناس في دين الله زرافات ووحدانا عن طوع ورغبة ، بلا خوف ولا رهبة من طواغيت العصر.
قام المسلمون بواجبهم ففتحوا البلاد ، ونشروا الثقافة الإسلامية بين الأمم