المتحضرة والتي كانت تتمتّع ـ وراء الآداب والفنون والعلوم والصناعات ـ بمناهج فلسفية ، وآراء كلامية لا يذعن بها الإسلام.
وقد كان في ذلك الاحتكاك الثقافي واللقاء الحضاري تأثير بالغ عاد على الإسلام والمسلمين بالخير الكثير إلّا أنّ هذا الاحتكاك لا يخلو عن مضاعفات ، وهي انتقال تلك الآراء والأفكار إلى الأوساط الإسلامية وهم غير متدرّعين تجاه تلك الشبهات والمشاكل.
وأعان على ذلك أمر ثان وهو انتقال عدة من الأسرى إلى العواصم الإسلامية فانتقلوا إليها بآرائهم وأفكارهم وعقائدهم المضادّة للإسلام وأسسه ، وكان بين المسلمين من لم يتورّع في أخذ هاتيك العقائد الفاسدة ، نظراء : عبد الكريم ابن أبي العوجاء ، وحماد بن عجرد ، ويحيى بن زياد ، ومطيع بن اياس ، وعبد الله بن المقفّع إلى غير ذلك بين غير متدرّع أو غير متورّع ، فأوجد ذلك قلقا ووحشة بين المسلمين.
أضف إلى ذلك أمرا ثالثا كان له التأثير الحاسم في بسط الإلحاد والزندقة وهو نقل الكتب الرومانية واليونانية والفارسية إلى اللغة العربية من دون نظارة ورقابة وجعلها في متناول أيدي الناس ، وقد ذكر ابن النديم تاريخ ترجمة تلك الكتب فقال :
«كان خالد بن يزيد بن معاوية محبّا للعلوم ، فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونان ممّن كان ينزل مدينة مصر ، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي ، وهذا أوّل نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة ، ثم نقل الديوان وكان باللغة الفارسية إلى العربية في أيام الحجاج ، وكان أمر الترجمة يتقدم ببطء ، إلى أن ظهر المأمون في ساحة الخلافة ، فراسل ملك الروم يسأله الاذن في انفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة ، المدّخرة في بلد الروم ،