فأجاب إلى ذلك بعد امتناع ، فبعث المأمون جماعة ، منهم : الحجاج بن مطر ، وابن بطريق، ومحمد بن أحمد والحسين بنو شاكر المنجّم ، فجاءوا بطرائف الكتب ، وغرائب المصنّفات في الفلسفة والهندسة وغيرهما» ، ثم ذكر ابن النديم أسماء النقلة من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية ، وجاء بأسماء كميّة هائلة (١) فأخذوا يصبون ما وجدوه من غث وسمين في كتب الوثنيين والمسيحيين على رءوس المسلمين ، وهم غير متدرّعين وغير واقفين على جذور هذه الشبه ، مع أنّها كانت تزعزع أركان الإسلام.
فقد أثار انتقال هذه الشبه والعقائد والآراء إلى أوساط المسلمين ضجّة كبرى بينهم ، فافترقوا إلى فرقتين :
فرقة اقتصرت في الذب عن حياض الإسلام بتضليلهم وتكفيرهم وتوصيفهم بالزندقة وتحذير المسلمين من الالتقاء بهم وقراءة كتبهم والاستماع إلى كلامهم ، إلى غير ذلك مما كان يعدّ مكافحة سلبية التي لها الأثر القليل في مقابل ذلك السيل الجارف.
وفرقة قد أحسّوا بخطورة الموقف وأنّ المكافحة السلبية لها أثرها المؤقت ، وإنّ ذلك الداء لو لم يعالج بالدواء الناجع سوف يعمّ المجتمع كلّه أو أكثره ، فقاموا بمكافحة إيجابية أي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال الذي يستحسنه الإسلام ، فأزالوا شبهاتهم ، ونقدوا أفكارهم في ضوء العقل والبرهان ، وقد نجحوا في ذلك نجاحا باهرا ، وهؤلاء المناضلون هم الشيعة خرّيجو مدرسة أهل البيت أوّلا ، والمعتزلة أتباع واصل بن عطاء ثانيا الذين أخذوا أصول مذهبهم عن علي عليهالسلام بواسطتين :
__________________
(١) ابن النديم : الفهرست : ٣٥٢ ، ٣٥٦.