وقد ضاق المجال على الإمام ، وكانت السلطة لا تسمح له بالكلام والخطابة ، فتفرّغ إلى العبادة ومناجاة ربّه ، وخلّف أدعية ضمّت في طيّاتها ، بحرا من المعرفة ودقايق العرفان.
هذا دور أئمّة الشيعة الأربعة في القرن الأوّل وقد تربّى في مدرستهم رجال ذبّوا عن حياض العقيدة ، بكلّ ما يملكون من حول وقوة ، وإليك أسماء بعضهم :
١. سلمان الفارسي :
وله مشاهد ومواقف عند انتزاع الخلافة من أهل بيت النبي الأكرم ، وقد خطب بعد رحلة النبي خطبة مطوّلة قال فيها :
ألا إنّ لكم منايا تتبعها بلايا ، فإنّ عند عليّ علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنت وصيّي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى» ، ولكنّكم أصبتم سنّة الأوّلين ، وأخطأتم سبيلكم ، والذي نفس سلمان بيده لتركبنّ طبقا عن طبق سنّة بني إسرائيل ، القذة بالقذة ، أما والله لو ولّيتموهما عليّا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم فابشروا بالبلاء ، واقنطوا من الرخاء ، ونابذتكم على سواء وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء ... (١).
٢. أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة :
جندب بن جنادة ذلك الصحابيّ الجليل الذي كانت له مواقف مشهودة بعد رحلة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأيّام خلافة عثمان ، حتى لفظ نفسه في صحراء لا ماء فيها ولا كلاء لأجل تلك المواقف ، وقد قال في حقّه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما أظلّت الخضراء ولا
__________________
(١) المامقاني : تنقيح المقال : ٢ / ٤٧ رقم ٥٠٥٩.