البحث السابع :
في أنّه هل يعقل أن يكون أحد طرفي الممكن أولى به لذاته وإن لم ينته إلى حدّ التعيّن؟(١)
ذهب بعض الناس (٢) إلى أنّه يمكن أن يكون شيء يصحّ عليه الوجود والعدم ، يكون أحد طرفيه أولى به من الآخر لذاته.
والمحقّقون على خلاف ذلك ، لوجوه :
الأوّل : أنّ ذلك الرجحان إن عقل زواله عند وجود شيء آخر ، اعتبر في تحققه عدم ذلك الآخر ، فماهيّة الممكن إذا اعتبرت مع قطع النظر عن ذلك العدم لم تكن مقتضية لذلك الرجحان ، وإن امتنع زواله بشيء أصلا ، كان حاصلا أبدا ، ممتنع الزوال ، فيكون منتهيا إلى حدّ التعيين.
وفيه نظر ، لمنع الملازمة الأخيرة.
الثاني : الممكن مع ذلك الرجحان ، إمّا أن يمكن طريان الطرف المرجوح عليه أو لا ، فإن أمكن ، فإمّا أن يكون طريانه لسبب ، أو لا لسبب. فإن كان لسبب ، لم يكن الرجحان كافيا في بقاء الطرف الراجح ، بل لا بدّ معه من عدم سبب الطرف المرجوح. وإن كان لا لسبب ، فقد وقع الممكن المرجوح لا لعلّة ، وهو محال ؛ لأنّ المتساوي (٣) أقوى من المرجوح ، فلمّا امتنع الوقوع حال التساوي
__________________
(١) أي إلى حد الوجوب أو الامتناع ، راجع في هذا البحث المباحث المشرقية ١ : ٢٢٢ ؛ نقد المحصل : ١١٩ ؛ الأسفار ١ : ١٩٩ ـ ٢١٥ ، و ٢٢١ ـ ٢٣٠ ؛ شوارق الإلهام ، المسألة الثالثة والعشرون.
(٢) من المتكلّمين.
(٣) م : «التساوي» وهو خطأ.