الوجود والعدم ، هو بعينه ترديد بين الوجوب والامتناع ، لأنّ الترديد في الحقيقة هكذا : الممكن إمّا أن يكون موجودا عن سبب الوجود ، أو معدوما عن سبب العدم.
لا يقال : وجوب الممكن وصف له ، فيستحيل سبقه عليه.
لأنّا نقول : الوجوب ليس ثبوتيّا (١) حتى يستدعي محلّا ثابتا ، بل هو أمر ذهني اعتباري ، يكفي حلوله في الذهن ونسبته إلى ماهية ذهنيّة.
البحث التاسع : في علّة احتياج الأثر إلى مؤثّره (٢)
اختلف الناس هنا ، فذهب الأوائل والمتأخّرون من المتكلّمين إلى أنّ علّة الحاجة إنّما هي الإمكان. وذهب قدماء المتكلّمين إلى أنّها الحدوث ، وقال آخرون : العلّة مجموع الأمرين ، إمّا بأن يكون الحدوث شطر العلّة وجزءا منها ، أو بأن يكون شرطا لها (٣).
والحقّ الأوّل (٤) ، لوجهين :
الأوّل : أنّ الضرورة قاضية ، بأنّ الشيء إذا كان يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون ، وكلاهما متساويان بالنسبة إليه ، فإنّه يستحيل أن يترجح أحد طرفيه على الآخر إلّا بسبب مغاير لذاته ، وإن لم يعقل سوى الإمكان. ولو جرّده العقل عنه
__________________
(١) ق : «وهو بثابت» بدل «ثبوتيا».
(٢) راجع في هذا البحث النجاة : ٢١٣ ـ ٢١٤ ؛ الفصل الأوّل من المقالة السادسة من إلهيات الشفاء ؛ نقد المحصل : ١٢٠ ـ ١٢١.
(٣) إنّ مذهب المنكرين لعلّية الإمكان مختلف. انظر الأسفار ١ : ٢٠٦.
(٤) وهو رأي الحكماء ، ولصدر المتألّهين رأي آخر. انظر الأسفار ٣ : ٢٥٣.