البحث العاشر :
في أنّ الممكن الموجود ، هل يحتاج في بقائه إلى السبب أم لا؟ (١)
اختلف الناس في ذلك ، فذهب الأوائل والمتأخّرون من المتكلّمين إلى أنّ الممكن حال بقائه محتاج إلى السبب ، ونفاه قدماء المتكلّمين (٢) والمعتمد الأوّل.
لنا : أنّ العلّة المحوجة إلى المؤثر هو الإمكان ، وهو لازم للماهيّة ، ثابت لها حالة البقاء ، كما ثبت حالة الحدوث ، فيلزم ثبوت الاحتياج في الحالتين ، لوجود العلّة فيهما.
وأيضا : لو استغنى الممكن في وجوده في الزمن الثاني عن المؤثر ، لكان واجبا ، إذ ليس معنى الواجب سوى المستغني في وجوده عن السبب ، فإن كان لذاته فهو محال ، لاستحالة تعدّد الواجب لذاته ، وتجدّد الوجوب الذاتي للشيء ، وإن كان لغيره ، فهو المطلوب.
احتجّوا بوجهين :
الأوّل : لو افتقر الممكن حال بقائه إلى السبب ، لكان ذلك السبب إمّا أن يكون له أثر ، أو لا. فإن لم يكن له أثر البتة ، كان الباقي في ذلك الوجود غنيا عن ذلك المؤثر. وإن كان له أثر ، فإمّا أن يكون هو الوجود (٣) الأوّل ، أو غيره. فإن كان
__________________
(١) راجع التحصيل : ٥٢٤ وما بعدها ؛ إلهيات الشفاء ، الفصل الأوّل والثاني من المقالة السادسة ؛ كشف المراد : ٨١.
(٢) وقد حكى عنهم أنّه «لو جاز على الباري العدم لما ضرّ عدمه وجود العالم» انظر شرح الإشارات ٣ : ٦٨ ؛ الأسفار ١ : ٢٢٠.
(٣) ق : «الموجود» وهو خطأ.