لأنّا نقول : الحيوان من حيث هو هو يحتاج إلى علّة ما تقوّم وجوده وتخصّصه وتعيّنه وتخصص العلّة بالناطق مثلا إنّما جاء من قبل الناطق ، فإنّ الحيوان مثلا لا يحتاج باعتبار حيوانيّته المطلقة إلى الناطق ، بل لأنّ الناطقيّة لذاتها علّة لذلك الحيوان ، فالحاجة المطلقة جاءت من قبل الجنس ، وتعيّن العلّة جاء من قبل العلّة.
البحث الثامن : في الفصل (١)
قد عرفت (٢) أنّ الفصل كمال الجزء (٣) المميّز ، وأنّه مقسّم ، وقسمته لازمة لا عارضة ككون الجسم متحرّكا تارة وغير متحرك أخرى. ويجب أن لا يكون عروضه بسبب شيء أعمّ منه كلحوق الأبيض والأسود للحيوان لا باعتبار أنّه حيوان ، بل باعتبار أنّه جسم قائم بالفعل موضوع لهذه العوارض. وكذا الذكورة والأنوثة عرضت للإنسان باعتبار أنّه حيوان ، ولا بسبب شيء أخصّ منه ، فإنّه حينئذ يكون لازما للفصل ، أو فصلا بعيدا لا قريبا ، كما نقول : الجوهر إمّا أن يكون قابلا للحركة أو لا يكون ، فإنّ قابلية الحركة عرضت بسبب الجسميّة لا بسبب الجوهريّة. وهذا القبول لازم للفصل لا أنّه فصل.
وإذا قلنا : الجسم إمّا ناطق أو غير ناطق ، لم يكن الجسم بما هو جسم مستعدا لأن يكون ناطقا ، بل يحتاج أن يكون أوّلا ذا نفس حتّى يصير ناطقا (٤).
واعلم : أنّ القسمة اللازمة اللاحقة لا بواسطة أعمّ أو أخص ، لا يجب أن
__________________
(١) انظر المباحث المشرقية ١ : ١٥٩ ، وما يليها ، (في أحكام الفصل وهي عشرة).
(٢) في البحث الرابع ص ١٩٤ ، وفي مواضع أخرى.
(٣) ق وج : «الجزء» ساقطة.
(٤) وهذا مثال للفصل البعيد.