والمحقّقون منهم يقولون : معناه أنّه غير مسبوق بغيره.
لا يقال : إنّ السبق أيضا لا يتحقّق إلّا بتقدير زمان ، لأنّهم يقولون : «سلب السبق عنه (١) لا يقتضي كونه زمانيا» (٢).
وفيه نظر ، لأنّه ليس المقصود ما صدق عليه النقيض حتى يكون منقسما إلى ثبوتي وعدميّ ، بل نفس مفهوم النقيض ، وذلك غير منقسم.
والتحقيق : أنّ من المعقولات ما يوجد في الخارج فلا ينفك الخارج عنه وعن نقيضه بالضرورة ، لامتناع الخلو عن النقيضين. ومنها ما لا وجود له إلّا في الذهن ، ومثله حكم النقيضين فيه بالنسبة إلى الخارج سواء ، لأنّ أحدهما إذا أخذناه على أنّه ثبوتي لم يرد به الثبوت العيني ، بل الذهني. وهنا يكون أحدهما موجبا والآخر سالبا ، ولا يجب أن يكون أحدهما موجودا في الخارج ، والآخر معدوما ، بل موضوعاته.
وقولنا : «كان الله تعالى موجودا في الأزل» وإن كان قضيّة ، فليس المراد إلّا : الكون في الأزل هل هو ثبوتي أم لا؟ وكذا نقيضه الذي هو اللاكون.
والمتكلّمون لا يسلّمون افتقار المعيّة إلى الزمان ، كما لا يسلّمون أنّ التقدّم إنّما يكون بالزمان. والسبق أيضا عندهم لا يفتقر إلى الزمان.
البحث الثاني : في التفسير على رأي الحكماء الأوائل (٣)
فسّروا الحدوث بأمرين :
__________________
(١) في المصدر «منه».
(٢) نقد المحصل : ١٢٣.
(٣) لاحظ المباحث المشرقية ١ : ٢٢٧ ؛ شرح المواقف ٤ : ٢ وما بعدها.