أحدهما : حصول الشيء بعد أن لم يكن له وجود في زمان سابق (١) وعلى هذا التفسير لا يكون الزمان حادثا ، وإلّا لكان عدمه سابقا على وجوده بزمان سابق ، فيكون للزمان زمان وهكذا.
والثاني : أن يكون حصوله بعد عدمه بعديّة بالذات ، وهو الحدوث الذاتي ، فإنّ (٢) كلّ ممكن ، فإنّه لا يستحقّ الوجود من ذاته وإنّما يستحق الوجود من غيره ، وما بالذات أسبق ممّا بالغير (٣) ، فيكون لا استحقاقية الوجود التي هي مقارنة للعدم ، سابقا على استحقاقية الوجود ، فيكون العدم سابقا على الوجود المستند إلى الغير ، وسواء كان ذلك الاستناد مخصوصا بزمان أو مستمرا في كلّ الزمان.
وللقدم معنيان مقابلان لمعنيي الحدوث : أحدهما الذي لا أوّل لزمان وجوده. والزمان بهذا المعنى ليس بقديم ، وإلّا لكان للزمان زمان آخر ، وهو محال.
والثاني الذي لا مبدأ ولا علّة لوجوده ، وهو القدم الذاتي.
البحث الثالث : في أنّ الحدوث والقدم هل هما ثبوتيّان أم لا؟
اختلف الناس هنا ، فالمحققون على أنّهما وصفان اعتباريان لا تحقّق لهما في الخارج.
وذهبت الكرّاميّة (٤) إلى أنّ الحدوث صفة زائدة على الذات.
__________________
(١) وهذا هو الحدوث الزمانيّ ، والبعدية فيه لا تجامع القبلية ، بخلاف الحدوث الذاتي الذي يجامع الوجود فيه العدم الذاتي ، وهو عدمه في مرتبة ذاته.
(٢) فهذا برهان لإثبات الحدوث الذاتي ، راجع الإشارات ٣ : ١١٣ وما بعدها ، والمباحث المشرقية ١ : ٢٢٩ ، وللرازي إشكال ضعيف على الحجة نشأ من المغالطة ، ذكره في شرحه على الإشارات والمباحث المشرقية.
(٣) أي عدم استحقاق الوجود ـ الذي هو مقارن لعدم الوجود ـ اسبق من استحقاق الوجود.
(٤) أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرّام وكان من سجستان ، وهم طوائف بلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة ، وهم من الصفاتية المجسمة. الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٠٨.