البحث الثاني : في أنّ القديم لا يجوز عليه العدم (١)
اعلم : أنّ القديم الوجودي لا يجوز عليه العدم ، لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون واجب الوجود لذاته (٢) ، أو ممكنا لذاته ، فإن كان واجبا لذاته امتنع عليه العدم ، لما تقدّم في خواص الواجب. وإن كان ممكنا لذاته ، افتقر في وجوده إلى مؤثّر ، وذلك المؤثّر يجب أن يكون قديما لاستحالة تقدم المعلول على علّته. ويجب أن يكون موجبا ، لامتناع استناد القديم إلى المختار.
ويجب أن يكون واجبا ، إمّا لذاته أو لغيره ، فإن كان واجبا لذاته ، فإمّا أن يكون ايجابه للقديم موقوفا على شرط أو لا ، فإن لم يكن موقوفا على شرط ، لزم من استمرار وجود الواجب لذاته ، استمرار وجود معلوله المطلق ، لامتناع انفكاك العلّة التامّة عن معلولها ، لكنّ الواجب لذاته يستحيل عليه العدم ، فيستحيل على معلوله المستند إليه خاصة ، وإن كان موقوفا على شرط فنقول :
ذلك الشرط لا يجوز أن يكون حادثا ، لاستحالة اشتراط القديم بالحادث ، وإلّا لكان الشيء متقدّما على شرطه ، فلا يكون مشروطا به ، بل يجب أن يكون قديما ، فإمّا أن يكون واجبا لذاته ، وهو محال ؛ لاستحالة تعدّد الواجب لذاته ، ولو سلّم فالمطلوب ، لأنّ العلّة يستحيل عدمها لوجوبها ، والشرط أيضا يستحيل عدمه لوجوبه ، فاستحال عدم المعلول حينئذ.
وإن كان الشرط ممكن الوجود ، فلا بدّ له من علّة قديمة ، وإلّا لكان حادثا
__________________
(١) لاحظ شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار : ١٠٧ وما بعدها ؛ شرح القوشجي على تجريد الاعتقاد في آخر الفصل الأوّل ، ثم راجع كتاب : «في التوحيد» لأبي رشيد النيسابوري : ٢٢٥ ـ ٢٣٠ ، ثم راجع المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار : ٦٠ ـ ٦١.
(٢) ق : «بالذات».