البحث الثاني : في أنّه لا يجب في المحدث سبق المدّة عليه (١)
اختلف الناس هنا ، فذهب المسلمون كافة إلى ذلك ، وذهبت الفلاسفة إلى أنّ كل محدث فإنّه مسبوق بزمان هو موجود غير قارّ الذات متصل اتصال المقادير (٢) ، لأنّ الحادث بعد ما لم يكن (٣) تكون بعديته هذه مضافة إلى قبليّة قد زالت ، فله قبل لا يوجد مع البعد ، وليست تلك القبليّة كقبليّة الواحد على الاثنين التي قد يكون بها ما هو قبل وما هو بعد معا في حصول الوجود (٤) ، بل يجب أن تكون قبلية قبل لا تثبت مع البعد ، بل تزول قبليته عند تجدّد البعدية.
وهذه القبلية مغايرة للعدم ، لأنّ العدم كما كان قبل ، فقد يصحّ أن يكون بعد ، وليس القبل بعد ، ولا الفاعل لأنّه قد يكون الفاعل قبل الحادث (٥) ومعه وبعده ، وليس القبل كذلك. فهو شيء آخر يتجدّد ويتصرّم ، وهو غير قارّ الذات ، وهو متّصل في ذاته ، لإمكان فرض متحرّك يقطع مسافة يوافق حدوث هذا الحادث انقطاعها ، فيكون ابتداء حركته قبل هذا الحادث ، ويكون بين ابتداء الحركة وانتهائها ، كما بين ابتداء الحركة وحدوث الحادث ، فكما كان هناك قبليات وبعديات متصرّمة متجدّدة مطابقة لأجزاء المسافة والحركة، كذا يجب أن يكون بين ابتداء الحركة وابتداء هذا الحدوث.
__________________
(١) راجع الإشارات ٣ : ٨٢ وما بعدها ؛ نقد المحصل : ١٢٨ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٥٥ وما يليها.
(٢) أي الخط والسطح والحجم
(٣) وهذا هو تعريف الحادث.
(٤) م : «الموجود» وهو خطأ.
(٥) م : «الحدوث».