وقيل أيضا (١) : إن كان المراد من تقدّم العلّة على معلولها ، كونها مؤثّرة فيه ، كان معنى قولنا : العلّة متقدّمة على المعلول ، هو أنّ المؤثّر في الشيء مؤثّر فيه ، وهذا تكرار خال عن الفائدة ، وإن كان المراد شيئا آخر فلا بدّ من إفادة تصوّره.
وأجاب أفضل المحقّقين : بأنّ تقدّم الشيء الذي منه الوجود على الشيء الذي له الوجود في الوجود معلوم ببديهة العقل (٢).
وفيه نظر ، فإنّ المعلوم بالبديهة هو الاحتياج والإسناد ، أمّا التقدّم فإنّه المتنازع.
الثاني : التقدم بالذات
كتقدّم الواحد على الاثنين ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّه لا يصحّ للاثنين وجود ، إلّا إذا كان الواحد موجودا ، وقد يوجد الواحد وإن لم يوجد الاثنان. وكذا الجزء والكلّ ، والموصوف مع صفته ، والشرط مع مشروطه وجزء العلّة مع المعلول. والمتقدّم هنا محتاج إليه والمتأخّر محتاج.
ويصحّ وجود المتقدّم والمتأخّر في هذين القسمين (٣) معا في الزمان ، بل يجب في الأوّل المقارنة الزمانية بينهما ، ويمكن في الثاني (٤). ويشتركان أيضا في أنّ المتأخّر محتاج إلى المتقدّم في تحقّقه ، ولا يكون الآخر محتاجا إلى المتأخّر. لكنّ الفرق بينهما ، أنّ المحتاج إليه في الأوّل ، هو الذي بانفراده يفيد وجود المحتاج ، ويلزم من وجود المتقدّم وجود المتأخّر. ويقترنان في الارتفاع زمانا كما اقترنا في الوجود. وكلّ واحد منهما يرتفع مع ارتفاع صاحبه ، إلّا أنّ ارتفاع المعلول يكون تابعا ومعلولا
__________________
(١) والقائل هو الرازي في شرح الإشارات ٣ : ١١٢.
(٢) نفس المصدر : ١١٣.
(٣) وهما التقدّم بالعليّة والتقدّم بالذات.
(٤) م : «الباقي» ، وانظر الفروق المذكورة في نفس المصدر : ١١٠.