قالوا : الفصول المنطقية للجواهر جواهر ـ كالناطق ـ لأنّها محمولة على الأنواع حمل على (١). وأمّا الفصول البسيطة كالنطق ، فإنّها جواهر أيضا ، لأنّه جزء من الناطق المحمول حمل على ، وجزء الجوهر جوهر. واعترض بالبياض الذي هو جزء الأبيض المحمول على الجوهر حمل على.
البحث الخامس : في أنّ الجوهر مقصود إليه بالإشارة (٢)
الإشارة : دلالة حسّية أو عقلية إلى الشيء بحيث (٣) لا يشركه فيها غيره ، والإشارة الحسية تتوقف على تشخص المشار إليه ، وهي تتناول الجوهر بالذات (٤) ، والإشارة إلى الأعراض إنّما تكون بعد تميّزها ، وتميّزها على ما تقدم معلول المادة ، فإذن الإشارة إليها بعد الإشارة إلى تلك المادة (٥).
وفيه نظر ؛ فإنّ هذا بعينه وارد في الصورة والمادة ، لأنّ الصورة علّة فاعلية في تشخص المادة ، والمادة علّة قابليّة في تشخص الصورة ، بل وفي الجسم أيضا ، فإنّه إنّما يتشخص بالأعراض المادية كأين معيّن ووضع معيّن وكيف وكم معيّنين. والإشارة الحسيّة إلى الأمور الكليّة من الجواهر والأعراض غير ممكنة ، فإنّ الحسّ لا يدرك الكلي ، بل الجزئي فكيف يمكنه الإشارة إليه؟ وأمّا الإشارة العقلية فلا تتناول الشخصية من الجواهر والأعراض أيضا ، إلّا من جهة العلم بأسبابها ، والشيء إذا عرف بسببه كان كليا. (٦) وأيضا الكلي لا يمكن الإشارة إليه لإمكان
__________________
(١) وهو حمل هو هو الذي يسمّى بحمل المواطاة أيضا ، وهو حمل شيء بقول على ، مثل : الإنسان حيوان يعني الحيوان محمول على الإنسان. راجع جامع العلوم في اصطلاحات الفنون ٢ : ٥٧.
(٢) راجع منطق أرسطو ١ : ٤٠ ؛ الفصل الثالث من المقالة الثالثة من مقولات منطق الشفاء.
(٣) في الشفاء : «إلى شيء بعينه» ، وهو صحيح أيضا.
(٤) المباحث المشرقية ١ : ٢٥٠.
(٥) وهذا قسم من العلم الكلي الحصولي كعلم المنجم بأنّ الشمس منكسفة في ساعة كذا إلى ساعة كذا ، ويسمّى علم ما قبل الكثرة.