البحث الخامس : في امتناع قيام العرض الواحد بمحلّين (١)
اختلف الناس في ذلك ، فذهب أكثر المحصلين من الحكماء والمتكلمين إلى امتناعه ، وذهب قوم من الفريقين إلى جوازه ووقوعه كأبي هاشم ومتابعيه من المتكلّمين ، فإنّه قال بقيام التأليف (٢) بمحلّين ، ومنع من قيامه بأكثر من محلين. وكجماعة من قدماء الأوائل (٣) ذهبوا إلى أنّ الإضافات قائمة بكلا المضافين.
احتج الأوّلون بوجهين (٤) :
الوجه الأوّل : لو جاز في العقل أن يكون الحالّ في هذا المحلّ عين الحالّ في ذلك المحلّ الآخر ، لجاز أن يكون الحاصل في ذلك المكان هو الحاصل في هذا المكان ، فيكون الجسم الواحد حاصلا في المكانين.
اعترض عليه أفضل المحققين : بأنّه قياس (٥) العرض على الجسم الممتنع كونه في مكانين. ولو صحّ ذلك لقيل : يمتنع اجتماع عرضين في محل واحد قياسا على امتناع اجتماع الجسمين في مكان واحد ، لكنّ اجتماع الأعراض الكثيرة في محل واحد ـ كالسواد والحركة والتأليف والحياة ـ ثابت عند جميع العقلاء.
وفيه نظر ؛ فإنّه لم يستعمل القياس الظني هنا ، بل ذكر ملازمة بين تجويز
__________________
(١) بأن تكون الحمرة ـ مثلا ـ قائمة بمحلّ ونفسها قائمة بمحل آخر.
(٢) ق : «التألف».
(٣) أي الفلاسفة.
(٤) راجع نقد المحصل : ١٨١ ـ ١٨٣ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٢٥٨.
(٥) في نقد المحصل : «قاس».