البحث الثالث : في أنّ الوجود مشترك (١)
اختلف الناس في ذلك ، فالذي ذهب إلى أنّ الوجود نفس الماهية أحال كونه مشتركا ، والذي قال بالزيادة ذهب إلى أنّه مشترك وهو الحق ، لنا وجوه :
الأوّل : الوجود بديهي التصوّر على ما سبق ، ولو لم يكن مشتركا لم يكن كذلك ، لأنّه حينئذ يكون نفس الحقيقة أو أمرا مغايرا للكون في الأعيان وكلاهما مكتسب.
الثاني : الوجود والعدم متقابلان على سبيل منع الجمع والخلوّ بينهما ، وأعرف القضايا عند العقل أنّه لا واسطة بين هذين المتقابلين ، ولمّا كان النفي مفهوما واحدا لا تعدّد فيه ولا امتياز من حيث إنّه نفي ، وجب أن يكون المقابل له كذلك ، إذ لو كان المقابل له أمورا متعدّدة لم يكن التقسيم منحصرا بين الطرفين.
الثالث : إذا عرفنا وجود ممكن جزمنا حينئذ بوجود سببه ، وإذا تردّدنا في كون ذلك السبب واجبا أو ممكنا ، وعلى تقدير كونه ممكنا هل هو جوهر أو عرض؟ وعلى تقدير كونه جوهرا هل هو مجرّد أو مقارن؟ لم يكن ذلك موجبا للتردّد في الجزم بوجود السبب ، وإذا لم يكن التردّد في الخصوصيات موجبا للتردّد في الوجود المطلق ، بل كان ثابتا حال زوال اعتقاد كل خصوصية وثبوت غيرها ، وجب كونه مشتركا بين الجميع ، أمّا لو اعتقدنا كونه ممكنا ثمّ تجدد لنا اعتقاد كونه واجبا لزم زوال اعتقاد الإمكان.
الرابع : أنّه يمكننا أن نقسّم الوجود إلى الواجب والممكن ، ويقبل العقل هذه القسمة ، ومورد التقسيم لا بدّ وأن يكون مشتركا بين الأقسام ، ولا يجوز أن
__________________
(١) أي اشتراكا معنويا ، انظر المباحث المشرقية ١ : ١٠٦ ؛ تلخيص المحصل : ٧٤ ؛ مناهج اليقين : ٩ ؛ شرح المواقف ٢ : ١١٣ ؛ الشواهد الربوبية : ٧.