البحث الثامن : في امتناع كون الشيء الواحد جوهرا وعرضا (١)
زعم بعض من لا مزيد تحصيل له من الأوائل : أنّ الشيء قد يكون بعينه جوهرا وعرضا (٢) ، واحتجوا عليه بوجوه :
الأوّل : فصول الجواهر مقوّمة لها ، ومتقدمة عليها ، وعلل فيها ، فتكون جواهر ، لأنّ مقوّم الجوهر والمتقدم عليه والعلّة فيه ، يجب أن يكون جوهرا ؛ لاستحالة تقوّم الجوهر ـ المتقدم على العرض ـ بالعرض ، وإلّا لتأخر عنه. ثمّ إنّ الحكماء قالوا للفصول : إنّها كيفيات ، والكيفيات أعراض ، فالفصول إذن جواهر وأعراض ، فالشيء الواحد جوهر وعرض معا.
الثاني : الحرارة جزء من الحار ، والحار هو جوهر ، والحرارة جزء الجوهر ، وجزء الجوهر جوهر ، فالحرارة بالنسبة إلى الحار من حيث هو حار جوهر ، لكنّها بالنسبة إلى الجسم القابل لها عرض ، فهي جوهر وعرض بالنسبة إلى أمرين.
الثالث : العرض في المركب كجزء منه كالبياض في الأبيض ، وكل ما هو في الشيء كجزء منه لا يكون عرضا فيه ، وكل ما لا يكون عرضا في الشيء كان جوهرا فيه ، لكنّه بالنسبة إلى الجسم القابل له عرض ، فالشيء الواحد جوهر وعرض معا.
الرابع : الصور الجوهرية المعقولة حالّة في النفس لا كجزء منه ، فتكون
__________________
(١) راجع الفصل السادس من المقالة الأولى من مقولات الشفاء (في افساد قول من قال : إنّ شيئا واحدا يكون عرضا وجوهرا من وجهين). وقد أجاد صدر المتألهين الكلام في هذه المسألة وتعرض لمعظم الأقوال والأدلّة وجعل الحكم بالامتناع فيها من البديهيات وقال : «هذا الحكم ممّا يعرف صدقه ضرورة بملاحظة مفهوم الجوهر والعرض ... وقد جوز ذلك قوم من القدماء والشيخ الرئيس استبعده». الأسفار ٤ : ٢٨٠.
(٢) وقد نسب هذا القول إلى «فرفوريوس» ، راجع القبسات : ٤٠.