فلم يبق إلّا الخاصة الثالثة ، فيعرف بأنّه الذي يمكن أن يوجد فيه شيء واحد عاد لذاته ، وهو شامل لما وجد فيه الواحد بالفعل كالعدد وبالقوة كالمتصل (١).
البحث الثاني : في الفرق بين المقدار والجسمية
الفرق بينهما من وجوه (٢) :
الوجه الأوّل : الجسم الواحد تتوارد عليه المقادير المختلفة مع بقاء جسميته الشخصية ، فانّ الشمعة يمكن أن نجعلها تارة كرة وتارة ذا أشكال مختلفة كالتربيع والتثليث وغيرهما ، فيزيد طوله وينقص عرضه أو عمقه ، وبالعكس. فتغيّر المقدار وبقاء الجسمية يدل على التغاير. وهذا إنّما يتمّ على تقدير نفي الجوهر الفرد (٣) ، إذ مع ثبوته جاز أن يكون التغير عائدا إلى اختلاف وضع الأجزاء.
لا يقال : المقدار باق ، فإنّ أبعاد الشمعة حال الكرية مساوية لها حال التكعيب للمساحة.
لأنّا نقول : المساواة قد تكون بالقوّة وقد تكون بالفعل ، والكرى والمكعب لا مساواة لهما بالفعل ، بل بالقوّة ، وما بالقوّة غير موجود.
__________________
(١) هذا التعريف مأخوذ من الفارابي وابن سينا وهو أولى التعاريف كما اعترف به الرازي وصدر المتألهين والعلّامة الطباطبائي ، راجع المباحث المشرقية ١ : ٢٨٣ ؛ الأسفار ٤ : ١٠ ؛ نهاية الحكمة : ١٠٩.
(٢) انظر الوجوه في الفصل الرابع من المقالة الثالثة من مقولات منطق الشفاء ؛ المباحث المشرقية : ١ : ٢٧٧ ـ ٢٨١ ؛ الأسفار ٤ : ١٠ ـ ١٢.
(٣) أي الجزء الذي لا يتجزّأ وسيأتي البحث عنه مفصلا في المجلد الثاني (الفصل الأوّل من النوع الأوّل من القاعدة الثالثة).