اللازمة لماهية ما يعرضان له ، فإنّه المتنازع ، ولو سلّمنا وجوب حلول المقدار في محل قائم بذاته غير موجود في موضوع ، فلم قلتم إنّه يجب أن يكون حينئذ حالّا في المادة؟!
المسألة الثانية : في تحقيق كون المقدار تعليميّا (١)
اعلم أنّ أنواع المقدار المتصل ذي الوضع ، ثلاثة (٢) ؛ لأنّ المقدار لا بدّ فيه من الانقسام ، فخرجت النقطة ـ التي هي شيء غير منقسم ـ عنه ، وبقي ما ينقسم في جهة واحدة وهو الخط ، وما ينقسم في جهتين وهو السطح ، وما ينقسم في الثلاث وهو الجسم التعليمي. ولا يمكن الزيادة عليها ، لأنّ الخطوط المتقاطعة على زوايا قائمة لا تزيد أبعادها عن الثلاثة.
ثمّ قد سبق أنّ هذا المقدار لا يفارق المادة في الخارج عند أكثرهم ، ويمكن أن يفارقها في الذهن (٣) ، فإنّه يمكننا أن نعتبر مجرّد المقدار وإن لم نلتفت إلى موادّه ككونه مقدارا لأرض أو لماء أو لهواء ، فإذا تخيّلنا الجسمية ـ التي هي الأبعاد الثلاثة ـ من غير اعتبار شيء من المواد البتة (٤) ، ولا أحوالها ، كان ذلك المتخيّل هو الجسم التعليمي ، لأنّه موضوع بعض علم الهندسة.
ثمّ [إنّ] تلك الأبعاد الثلاثة المتخيّلة لا تتخيل ، ولا تحسّ إلّا جسما متناهيا ،
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٣٢٠ ـ ٣٢١.
(٢) أي الكم المتصل القارّ ، راجع مقولات أرسطو من منطقه ١ : ٤٣ ؛ شرح الإشارات ٢ : ١٥٤ وما بعدها ، وراجع في لزوم تعريف المقدار ب «ذي الوضع» شرح شرح الإشارات لقطب الدين الرازي ، والفصل الرابع من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء.
(٣) انظر «كيفية مفارقة السطح للجسم والخط للسطح توهما» في الفصل الرابع من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء.
(٤) م : «البتة» ساقطة.