المكان إمّا أن يكون جوهرا ، أو عرضا ، فإن كان جوهرا ، فإمّا أن يكون قائما بذاته غنيا عن غيره أو لا.
والأوّل هو البعد المفطور الذي بين طرفي الإناء الخالي مثلا أو شبهه ، فإنّ بين غايات الإناء الحاوي للماء أبعادا ثابتة تتعاقب عليها الأجسام ، مساو لما يملأ الإناء منها ، وكذا بين الجدارين وشبههما. ثمّ منهم من جوّز خلو هذا البعد عن المتمكن (١) ، ومنهم من منع. وإن افتقر إلى غيره فهو جزء الجسم إمّا المادة أو الصورة. وإن كان عرضا ، فإمّا أن يكون عبارة عن أي سطح كان ، أو عن السطح الباطن من الجسم الحاوي المساوي للسطح الظاهر من الجسم المحوي.
والأوّل : مذهب مشهور عند قدماء الحكماء ومتأخّريهم ، ومذهب المتكلّمين آئل إليه ؛ لأنّهم يجعلون المكان هو الفراغ المتوهّم الذي يشغله المتمكّن بالحلول فيه (٢) ، وهو المعتمد عندي.
والثاني : مذهب افلاطون (٣) فإنّه جعل المكان هو الهيولى ؛ لأنّ المكان هو الذي تتعاقب عليه أشياء هي المتمكنات ، والمادة تتعاقب عليها أشياء هي الصور ، فكانا (٤) واحدا.
والثالث : مذهب بعض القدماء ، فإنّ المكان محدود حاصر ، والصورة محدودة حاصرة (٥).
وهذان المذهبان باطلان ؛ لأنّ المكان يفارقه المتحرك بالحركة وينتقل عنه
__________________
(١) وهم القائلون بالخلاء.
(٢) كتاب التعريفات : ٢٩٢.
(٣) راجع المواقف ١١٥ ؛ القبسات : ١٦٤ ، ؛ نهاية الحكمة : ١٣٠.
(٤) أي المكان والهيولى.
(٥) وعلى الرأي الثاني والثالث يكون المكان جوهرا.