حصل الجسم منهما (١) ، وإن لم يحلّ فيها كان ذلك خلاء.
والثاني عدمي ، وهو الفراغ المتوهم ، وهو عبارة عن وجود جسمين لا يتلاقيان ولا يكون بينهما ما يلاقيهما (٢) ، وهي مسألة من الطبيعيات بحث المتكلمون عنها ليدفعوا شبه الفلاسفة في المعاد ، وفي إمكان خلق عالم آخر.
وقد اختلف الناس في ثبوت الخلاء ونفيه على التفسيرين ، فالمتكلمون على إثباته ، وهو مذهب جماعة من الأوائل (٣) ، وباقي الأوائل على نفيه ، وهو قول أبي القاسم الكعبي(٤).
لنا على ثبوت الخلاء وجوه (٥) :
الوجه الأوّل : لو كان العالم ملاء لامتنعت الحركة على شيء من الأجسام في الأين ، والتالي باطل بالضرورة ، فإنّا نشاهد الأجسام تتحرك وتنتقل من جهة إلى أخرى ، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّ الجسم لو انتقل فإمّا أن ينتقل إلى مكان مملوء أو فارغ ، فإن كان فارغا فهو المطلوب ، وإن كان مملوءا ، فإمّا أن يبقى الجسم المالئ للمكان المنتقل إليه على حاله أو ينتقل ، فإن بقى لزم التداخل ، وهو باطل بالضرورة. وإن
__________________
(١) م : «منهما» ساقطة.
(٢) قال الطوسي : «هذا تعريف للخلاء الذي يكون بين الأجسام وهو الذي يسمّى بعدا مفطورا ولا يتناول الذي لا يتناهى» شرح الاشارات ٢ : ١٦٥.
(٣) قال الرازي : «الخلاء جائز عندنا وعند كثير من قدماء الفلاسفة ، خلافا لارسطاطاليس وأتباعه» تلخيص المحصل : ٢١٤.
(٤) وهو مذهب أكثر الفلاسفة كأرسطو والفارابي وابن سينا والطوسي ، وكذا فلاسفة الغرب منهم ديكارت حيث قال : «إنّ الكون كلّه ملاء لا يتخلّله خلاء» الموسوعة الفلسفية للدكتور عبد المنعم الحفني : ١٧٥.
(٥) راجع الفصل السادس من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ، قوله : فمن الحجج على ذلك [وجود الخلاء] ؛ المعتبر لأبي البركات البغدادي ٢ : ٤٤ ـ ٦٧.