المسألة الثالثة : في أنّ المكان الواحد لا يستحقه جسمان مختلفان بالطبع
اعلم أنّ الأوائل قالوا : لا يمكن أن يكون للمكان الواحد بالشخص جسمان مختلفان بالطبع يستحقانه ، بل لكلّ جسم مكان يخصّه لا يشارك في استحقاقه سواه ، ولم نر لهم حجّة على ذلك ، سواء ما ذكره أفضل المحققين من أنّ تلك الأجسام ، إمّا أن تكون مختلفة الميول إلى جهات متعددة أو متفقتها. فإن كان الأوّل فظاهر عدم استحقاقها لمكان واحد ، لاستحالة أن تقتضي مكانا بالطبع ، وتميل بالطبع إلى غيره. وإن كانت متفقة الميول إلى جهة واحدة كانت الأشياء المتخالفة بالطبع مقتضية من حيث هي مختلفة شيئا واحدا ، وهو محال.
ولم يزد على ذلك ، وهو غير تام ، لإمكان اتفاق الأشياء المختلفة بالطبع في لازم واحد يلزم تلك المختلفات ، أو معلول واحد بالطبع كثير بالشخص يصدر عن علّتين مختلفتين بالطبع. بل الوجه في الاستدلال أن نقول : لو اقتضى جسمان مختلفان بالطبع مكانا واحدا بالشخص ، وكانا خارجين عنه متساويي النسبة إليه ، ثمّ طلباه على التساوي ، فإمّا أن يحصلا فيه دفعة واحدة وهو محال بالضرورة ، أو يحصل فيه أحدهما دون الآخر ، وهو ترجيح من غير مرجّح ، إذ لا أولوية في التخصيص ، أو لا يحصل شيء منهما فيه ، فيكون المكان الطبيعي متروكا بالطبع ، وهو محال.
وفيه نظر ، لأنّا نمنع كون الترك لو لم يطلباه طبيعيا ، بل يكون قسريا ، فإنّ كلّ واحد منهما يمانع الآخر عن مقتضاه.