المسألة الرابعة : في المكان الطبيعي للمركّب (١)
اعلم أنّ المركّب لا مكان له في أصل الإبداع عند نفاة الخلاء من الحكماء ، لأنّ التركيب أمر يعرض بعد الإبداع ، وايجاد مكان على سبيل الإبداع قبل التركيب يطلبه المركّب إذا حصل يقتضي وجود الخلاء حالة الإبداع. وأيضا لو طلب البسيط بعد طريان التركيب عليه ذلك المكان المفروض لوجب خلوّ مكانه الأوّل ، وهو محال. وأيضا لمّا كان التركيب لا يقتضي زيادة في وجود الأجسام ، فلا احتياج بسببه إلى مكان زائد على ما كان للبسائط. فإذن أمكنة المركبات هي أمكنة البسائط بعينها ، فلا حاجة هنا إلى إثبات أصل أمكنتها ، إذ هي أمكنة البسائط ، بل الواجب أن يبحث في تعيين أمكنتها ، فنقول :
لا بدّ في المركب من تعدد البسائط بالضرورة ، فإمّا أن يتركّب عن بسيطين أو ثلاثة أو عن أربعة. فالأوّل إن تساويا وتمانعا بأن (٢) يكون ما يطلب جهة فوق أسفل وبالعكس. فإن تساوى بعد كلّ منهما عن حيّزه تقاوما ، إذ لا مزيّة لأحدهما على صاحبه فيقف في الوسط ، وإن كان بعد أحدهما من حيّزه أقرب جذب الآخر إلى حيّزه ، فحصل المركب فيه ؛ لاشتداد الحركات الطبيعية عند القرب من الحيز وفتورها عند البعد عنها. وإن لم يتمانعا ، افترقا ولم يجتمعا إلّا بقاسر. وإن كان أحدهما أغلب في القوة والمقدار ، وهناك قاسر يحفظ ذلك المزاج انجذب المركب إلى مكان الغالب.
والثاني : إن غلب أحدهما حصل المركب في مكانه ، وإن تساوت فإن كانت
__________________
(١) راجع نهاية الفصل الحادي عشر من المقالة الرابعة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ؛ شرح الإشارات ٢ : ٢٠١ ـ ٢٠٣ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٧٢ ـ ٧٣.
(٢) ق وم : «أن».