عقلي بخلاف اتّصاف الجسم بالسواد ، فإنّ الماهية ليس لها وجود منفرد ولعارضه المسمّى بالوجود وجود آخر ، ويجتمعان كاجتماع المقبول والقابل ، بل الماهية إذا كانت فكونها هو وجودها ، فالماهية إنّما تكون قابلة للوجود عند كونها في العقل.
البحث السادس : في الوجود الذهني (١)
اختلف الناس في ثبوته ، ونفاه قوم ، وأثبته آخرون ، وهو الحقّ.
لنا (٢) أنّا نتصوّر أمورا لا ثبوت لها في الخارج ، ونحكم عليها بأحكام ثبوتية والمحكوم عليه بالحكم الثبوتي يجب أن يكون ثابتا ، وإذ ليس بثابت في الخارج ، فهو ثابت في الذهن. فهنا مقدمات :
الأولى : تصوّر أمور لا ثبوت لها في الخارج وهي ظاهرة ، فإنّا نتصوّر بحرا من زئبق ، وجبلا من ياقوت وغير ذلك من المركّبات التي لا تحقّق لها في الخارج.
الثانية : أنّا نحكم عليها بأحكام ثبوتية وذلك ، لأنّا نحكم بامتياز إحدى
__________________
(١) لقد استحدث هذا البحث في القرن السابع والثامن ، حيث لم يكن له من أثر قبل ذلك ، حتى في كتب الشيخين «الفارابي» و «ابن سينا». نعم تعرّض له الشيخ الرئيس مستطردا في ردّ القائلين بالثابت والحال ، ولم يعنون له فصلا مستقلا. أنظر الفصل الرابع من المقالة الأولى من إلهيات الشفاء. والظاهر أن أوّل من طرح البحث مستقلا هو الرازي «المتوفى ٦٠٦ ه» في المباحث المشرقية ١ : ١٣٠ ، ثم المحقّق الطوسي «المتوفى ٦٧٢ ه» في التجريد ، ثم الإيجي «المتوفى ٧٥٦ ه» في المواقف : ٥٢ ، وراجع الأسفار ١ : ٢٢٦ ـ ٣٦٣. وسبب طرح هذه المسألة هو الردّ على شبهات القائلين بثبوت المعدوم ، والحال.
(٢) راجع المباحث المشرقية ١ : ٤١. تجد فيه نفس الدليل وما قيل في الاعتراض عليه والجواب عنه. ثمّ راجع التجريد ، يذكر دليلا آخر بقوله «وإلّا بطلت الحقيقية». وقد جعله «الايجي» ثالث الأدلّة المنقولة من الحكماء ، المواقف : ٥٢.