البحث الخامس عشر : في الجهات
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في تحقيق الجهة (١)
للجهة أمارتان باتفاق جماهير الفلاسفة :
الأمارة الأولى : أنّها مقصد المتحرك الأيني على الاستقامة ، فإنّ المتحرك في الأين يقصد بحركته الوصول إلى منتهى حركته.
الأمارة الثانية : أنّها مقطع منتهى الإشارة الحسّية ، وذلك أنّ الإشارة امتداد يبتدئ من المشير وينتهي إلى المشار إليه ، بأنّه هنا أو هناك ، فهي طرف الامتداد ونهاية بالنسبة إلى الامتداد ، وبالنسبة إلى الحركة والإشارة جهة. فهي من ذوات الأوضاع ليست من المعقولات المجرّدة التي لا وضع لها ، بل هي ذات وضع ، ووضعها في امتداد مأخذ الإشارة والحركة ، لأنّه لو كان وضعها خارجا عن ذلك لكانت الإشارة والحركة ليستا إليها. وهي غير منقسمة ، لأنّها لو كانت منقسمة ، فإذا وصل المتحرّك إلى منتصفها ولم يقف ، لم يخل إمّا أن يقال : إنّه يتحرّك بعد إلى الجهة ، أو يقال : إنّه يتحرّك عن الجهة ، فإن كان يتحرّك بعد إلى الجهة فالجهة الجزء الثاني من المنقسم ، وليس للأوّل مدخل في تحققها ، وإن كان يتحرك عن الجهة فالمنتصف الذي وصل إليه ، هو الجهة لا جزء الجهة. فظهر أنّ الجهة حدّ في ذلك الامتداد، وطرف ونهاية غير منقسم.
__________________
(١) راجع شرح الاشارات ٢ : ١٦٦ وما يليها ؛ المباحث المشرقية ١ : ٣٦٥ ـ ٣٦٧ ؛ كشف المراد : ١٥٤ ـ ١٥٥.