ثمّ إنّ الأرض عند حصولها في حيّزها الطبيعي لا يقال : إنّ لها جهة تلي الأرض. فبهذا الوجه يحتمل أن يقال : إنّه لا جهة لها إلّا الفوق إن عني بالجهة ما يلي نهاية الشيء ، لأنّ نهاية الأرض سطح ، وسطحها يلي السماء. أمّا إذا كانت الجهة لا تقتضي النسبة إلى سطح ، بل إلى كلّ طرف كبعد مفترض في الجسم ، فتكون حينئذ للبعد المفروض في الأرض جهة عند مركز كرته الذي هو مركز الكل ، وجهة أخرى عند سطحه ، لكنّه لا تكون جهة العلو كجهة السفل ؛ لأنّ جهة العلو سطح موجود بالفعل ، وجهة السفل نقطة موجودة بالقوة ، لكنّه أيضا يحتمل أن يقال : جهة الفوق للأرض هي طرف البعد المتصل بالمركز ، والسطح هو نقطة. وعلى هذا لا تكون الجهتان بالفعل ، بل بالقوة. لكن أحد أسباب انقسام المتصل المسامتات والمحاذيات ، فإذا حصل [الأفق] (١) للأرض بالفعل لوجود قائم عليها حصل ذلك البعد بالفعل ، وحصلت النقطتان اللتان هما الجهتان بالفعل.
لا يقال : لو لم يكن للأرض علو إلّا السماء وجب أن يكون لها علو ، لكن العلو علو بالقياس إلى أسفل ، فيكون لها سفل ، لكنّ السفل لا يتعيّن إلّا بتعيّن بعد ، والبعد لا يتعيّن بوجود السماء ، بل لأجل قائم يحصّل (٢) للأرض افقا (٣) ، فيلزم أن يتعيّن العلو بوجود السماء ، وأن لا يتعين ، هذا خلف.
لأنّا نقول : العلو يراد به تارة ما يقابل السفل ، وتارة ما يلي جهة السماء ، وأحد العلوين مقول بالقياس إلى أسفل ، والثاني معقول بنفسه لا يحوج تعقّله إلى اعتبار وجود ما يقابله ، فللأرض بالقياس إلى السماء وحدها جهة ، ولها بالقياس إلى غاية البعد التي هي مركزها علو ، فاندفع الخلف بتغاير المعنيين.
__________________
(١) في النسخ : «الأين» ، وما أثبتناه من المباحث.
(٢) م : يجعل.
(٣) ق وس : «أينا».