أجزاء المحدود ، والبسيط لا جزء له ، بل إنّما يعرف بلوازمه البيّنة. ولمّا كان الكيف من الأجناس العوالي لم يمكن تعريفه إلّا بالرسم. وقد اشتهر عن القدماء في رسمه أنّه : «هيئة قارّة لا يوجب تصورها تصور شيء خارج عنها وعن حاملها ، ولا قسمة ولا نسبة في أجزاء حاملها» فبالهيئة خرج الجوهر ، وكونها «قارّة» يميّزها عن مقولتي أن يفعل وأن ينفعل وعن الزمان ، و «كون تصورها لا يوجب تصور غيرها» يميّزها عن المضاف والأين والمتى والملك، و «وكونها غير مقتضية للنسبة في أجزاء حاملها» يميّزها عن الوضع ، و «كونها بحيث لا تقتضي القسمة» يميّزها عن الكم.
قيل (١) : المفهوم من «أن يفعل» مؤثّرية الشيء في الشيء ، فالشيئان إن كانا ثابتين كانت مؤثرية المؤثر في المتأثّر أيضا ثابتة ، لأنّ المؤثرية من لوازم الماهية المؤثّرة ولازم الثابت ثابت. وإذا كانت تلك المؤثرية ثابتة غير متغيرة ، فقولنا «هيئة قارّة» لا يفيد الاحتراز عن تلك المؤثرية الثابتة ، إلّا أن يقال : المؤثر إن كان متغيّرا كانت مؤثريته زائدة على الذات ، وإن كان ثابتا لم تكن المؤثرية حكما زائدا على الذات ، وإذا كانت المؤثرية الثابتة غير ثبوتي لم يحتج إلى الاحتراز عنها في الرسم ، ولكن ذلك تحكّم ، فإنّه ليس بأن تكون مؤثرية المؤثر المتغير زائدا على ذاته ، أولى من أن تكون مؤثرية المؤثر الثابت زائدة على ذاته.
وأيضا قولكم : «لا يوجب تصورها تصور شيء خارج عنها وعن حاملها» يفيد الاحتراز عن مقولتي «أن يفعل» و «أن ينفعل» ؛ لأنّهما من الأعراض النسبية التي يوجب تصورها تصور شيء خارج عنها وعن حاملها ، فيستغني عن
__________________
(١) والقائل هو الرازي حيث قال بعد ذكر التعريف : «هذا ما قيل وفيه سبعة أبحاث» ، المباحث المشرقية : ٣٦٩ ـ ٣٧٣. وقد نقل صدر المتألّهين تلك الاشكالات ، ثمّ قال : «ويمكن الجواب عن أكثر هذه الايرادات» الأسفار ٤ : ٥٩ ـ ٦١.