الوجه الثالث : قد يحصل اللون فيما لا مزاج فيه كالكواكب ، والطعم عند من يثبته للماء ،. وإنّما نشأ غلطهم من أنّ الأكثر متابعة اللون والطعم للمزاج ، ونحن نسلّم ذلك ونمنع الوحدة بينهما.
البحث الثاني : في الكيفيات الملموسة
وهي الكيفيات المدركة بالقوة اللمسية. والعناصر قد تخلو عن الكيفيات المدركة بسائر المشاعر دون هذه ، لأنّ ما عدا هذه القوة من الحواس إنّما تدرك بتوسط جسم كالهواء أو الماء (١) ولا يمكن أن يتوسط المتوسط بين نفسه وغيره. فإذن كلّ واحدة من هذه الحواس لا تدرك المتوسط الذي يتوسط لها ، بل تجده خاليا عما تدركه هي ، وتلك الأجسام لا تخلو عن الملموسة ، لأنّها لا تحتاج إلى متوسط.
وأيضا الحيوان قد يخلو عن تلك المشاعر (٢) ، ولا يخلو عن اللمس. فلهذا قيل الملموسات أوائل المحسوسات (٣). وهي بالاستقراء : الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، واللطافة والكثافة ، واللزوجة والهشاشة ، والجفاف والبلّة ، والثقل والخفة. وقد يدخلون في هذا الباب الخشونة والملاسة ، والصلابة واللين فهنا أبواب :
__________________
(١) كقوّة السامعة تحتاج إلى الهواء لتحمل الصوت إليها ، والذائقة تحتاج إلى رطوبة لعابية في الفم.
(٢) كما يقال في بعض أنواع الديدان وبعض أنواع الفئران.
(٣) قال الشيخ : «وأوّل الحواس الذي يصير به الحيوان حيوانا هو اللمس» طبيعيات الشفاء ، الفصل الثالث من المقالة الثانية من الفن السادس ، وانظر أيضا شرح المواقف ٥ : ١٦٩ ـ ١٧١.