نعرف لزوم هذه الآثار لها ، فإذا لم نعرف ثبوت هذه الآثار لها إلّا بعد معرفة استنادها إليها استحال أن تكون هذه الآثار معرّفة لها ، وإلّا دار.
لأنّا نقول : ليس الغرض من رسوم هذه الكيفيات إفادة ماهيتها ، فإنّ الحس أفاد الممكن في ذلك ، بل الغرض ذكر خواصّها وآثارها بحيث تميّزها عن غيرها ، وهو يحصل بذكر هذه اللوازم.
وأمّا اللذع فهو كيفية نفّاذة جدا لطيفة ، تحدث في الاتصال تفرقا كثير العدد ، متقارب الموضع ، صغير المقدار ، فلا يحس كلّ واحد بانفراده ، ويحس بالجملة كالوجع الواحد. والتخدير بتبريد العضو بحيث يصير جوهر الروح الحاملة قوة الحس والحركة إليه باردا في مزاجه ، غليظا في جوهره ، فلا تستعملها القوى النفسانية ، ويجعل مزاج العضو كذلك فلا يقبل تأثير القوى النفسانية ، وهاتان فعليتان.
واللذع يفعل ما يفعل بفرط الحرارة المقتضية للنفوذ واللطيف. والتخدير يفعل ما يفعل بفرط البرودة المقتضية لنفوذ (١) الروح ، فهما تابعان للحرارة والبرودة.
المسألة الثانية : في اثبات البرودة والحرارة
ذهب جماعة من قدماء الحكماء إلى أنّ البرودة ليست كيفية وجودية ، بل هي عدم الحرارة عمّا من شأنه أن يكون حارا ، والضرورة تقتضي بطلان ذلك ، فلا حاجة هنا إلى إبطاله بالبرهان. وقد استدل بعضهم على إبطاله بوجهين :
أ : لو كانت البرودة عدم الحرارة لكان الذي ندركه من الجسم البارد ، إمّا الجسم ، أو عدم الحرارة. والأوّل باطل ، وإلّا لكنّا إذا أدركنا الجسم الحار وجب أن ندركه على حالة البرودة ، لأنّ برودته نفس جسميته المدركة حال حرارته ، لكن ذلك محال. والثاني باطل ، لأنّ العدم لا يحس به.
__________________
(١) كذا في النسخ ، ولعلّ الصواب : «لتبرد».