تذنيب : لا شك في مضادة الحرارة للبرودة ، ولهذا تضادت آثارهما. وهل يضادهما ثالث؟ فيه احتمال إن جوزنا كثرة الأضداد ، وإلّا فلا. وإنّما فعلت البرودة في الرطب بياضا ، لاجماد أجزائه وتكثيفه وتحصيل فرج خالية فيما بينها يملأها الهواء. وتتكثر سطوح أجزائه التي ينعكس النور من البعض إلى البعض ، كما تفعل في الثلج والصقيع والأجسام المتكرجة (١) التي قد حللت رطوباتها الحرارة ، ثمّ عقدتها البرودة ، لينحل (٢) عليها تكرجا أبيض. وتفعل في اليابس سوادا لتكثيفه وقبضه واخراج ما في خلله من الجسم المشف بالقسر ، كما تفعل في الأشجار والزروع إذا أصابها البرد الشديد ، فيقال لها أحرقها البرد. وتفعل في أعضاء الحيوان مثل ذلك. وكما تفعل في الأخلاط السوداوية في أبدان الحيوانات ، وفي الحماة تحت الطين ، فإنّ الغالب على طبيعتهما اليبس ، ولاستيلاء البرد عليهما يسودّان ، وكما في الأحجار السود في الجبال وغيرها.
المسألة الخامسة : في الحرارة الغريزية (٣)
اختلف الأوائل في الحرارة الغريزية ، فذهب بعضهم إلى أنّها مخالفة بالنوع للحرارة النارية. قال الشيخ في «القانون» : الحار الخارجي إذا حاول إبطال الاعتدال فإنّ الحار الغريزي أشد الأشياء مقاومة له ، حتى أنّ السموم الحارة لا تدفعها إلّا الحرارة الغريزية ، فإنّها آلة للطبيعة تدفع ضرر الحار الوارد بتحريك الروح إلى دفعه ، وتدفع ضرر البارد الوارد عليه بالمضادة. وليست هذه الخاصية للبرودة ، فإنّها إنّما تنازع وتعاوق الحار الوارد بالمضادة فقط ، ولا تنازع البارد الوارد.
__________________
(١) تكرّج أي فسد وعلته خضرة ، وتكرّج الطعام : إذا أصابه الكرج (تاج العروس ٦ : ١٧٢ ـ ١٧٣).
(٢) كذا في م ، وفي س : مشوشة.
(٣) الموجودة في أبدان الحيوانات التي هي آلة للطبيعة في أفعالها كالجذب والهضم وغير ذلك ، ولذلك نسب إليها «كدخدائية البدن». (شرح المواقف ٥ : ١٧٧).