الموجب للاعتدال ، فتلك هي الحرارة الغريزية. وإنّما تدفع الحرّ الغريب لما يحاول الحار الغريب التفريق وتلك الحرارة الغريزية أفادت من النضج والطبخ ما يعسر عنده على الحرارة الغريبة تفريق تلك الأجزاء ، فلهذا السبب تدفع الحرارة الغريزية الحرارة الغريبة ، فالتفاوت بين تلك الغريزية وتلك الغريبة ليس في الماهية ، بل في كونها جزءا من المركب ، والغريبة ليست كذلك. فلو توهّمت الحرارة الغريبة جزءا من المركب ، والغريزية خارجة عنه ، لكانت الغريزية عند ذلك تفعل فعل الغريبة ، والغريبة تفعل فعل الغريزية (١).
والمعتمد عندي الأوّل فإنّ الحرارة التي في النار غير ملائمة للحياة ، والتي في بدن الحيوان ملائمة لها. وهنا حرارة أخرى هي الفائضة عن الأجرام الفلكية. وتأثير الحرارة الشمسية في أعين العشي الإبصار دون حر النار ، فعلمت المباينة بين هذه الأنواع. ومن المعلوم أيضا أنّ الحرارة الغريزية تفتقر إلى البنية (٢) ولا يكفي فيها المحل الواحد ، بل لا بدّ فيها من مزاج مخصوص. والحرارة النارية لا تفتقر إلى شيء من ذلك (٣).
المسألة السادسة : في بقايا أحكامهما على رأي المتكلمين
وهي : أوّلا : أنّهما باقيتان ، للدليل العام على بقاء الأعراض. وربّما التجأ بعضهم في ذلك إلى الضرورة ، فإنّا نعلم قطعا أنّ برودة الماء وحرارة النار لا يتجددان حالا فحالا ، كما نعلم ذلك في الجسم المحسوس.
__________________
(١) المباحث المشرقية ١ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧.
(٢) الكلمة مشوّشة في المخطوطة ، ولعل الصواب ما أثبتناه. وهي عبارة عن أجزاء حصلت فيها شرائط حلول الحياة (الحدود لأبي جعفر النيسابوري المقري : ٦٤).
(٣) انظر أصناف الحرارة واختلافها واتفاقها ومشابهة بعضها لبعض ومباينته في كتاب المعتبر لأبي البركات البغدادي ٢ : ١٩٨ ـ ٢٠٢.