المسألة الثانية : في إثبات الرطوبة واليبوسة
قيل (١) : إذا جعلنا الرطوبة «ما لأجله يسهل قبول الجسم للأشكال» فذلك كلام مجازي ؛ لأنّ السهل والصّعب من باب المضاف ، والرطوبة واليبوسة ليستا من المضاف.
وفيه نظر ، فإنّه لا استبعاد في صدور الإضافي عن غير المضاف نعم المحال تحديد غير المضاف بالأمر الإضافي ، فالاعتراض لازم لو قلنا الرطوبة سهولة قبول الأشكال (٢).
ثمّ قالوا : بل الرطب هو «الذي لا مانع له في طباعه عن قبول التشكّلات الغريبة ، وعن رفضها». واليابس هو «الذي في طباعه مانع يمنع من ذلك مع إمكانه» فيكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، لأنّ الرطوبة صارت مفسّرة بعدم المانع ، ويكون الإحساس بها ليس إلّا أن لا يرى مانع ولا معاوق ، وباليبوسة ما يرى مانع. فالرطوبة بانفرادها لا تدل على وجود الجسم ، واليبوسة تدل (٣).
ثمّ إنّ الرطوبة إمّا أن تكون قابلية الأشكال ، فلا تكون أمرا وجوديا ، لأنّ قابلية الشيء للشيء لو كانت زائدة لافتقرت إلى قابلية أخرى ، لأنّها تكون عرضا قائما بالذات. أو تكون علة القابلية وهو محال ؛ لأنّ الجسم قابل لكل الأشكال لذاته ـ ولذلك فإنّ القبول حاصل لليابس ـ ولمّا كانت قابلية الجسم للأشكال حكما ثبت له لذاته استحال أن يستدعي علّة زائدة ، فالرطوبة بهذا التفسير
__________________
(١) والقائل هو الرازي في المباحث المشرقية ١ : ٣٩١.
(٢) قال الطوسي : «وقد صرّح في الشفاء بأنّ الرطوبة ليست هي سهولة التشكّل لأنّها غير اضافية ، وسهولة التشكّل اضافية ، وأنّها إنّما يفسّر بها على ضرب من التجوّز» (شرح الاشارات ٢ : ٢٤٨).
وانظر عبارة الشيخ في الفصل الثالث عشر من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء.
(٣) طبيعيات الشفاء ، الفصل الثالث عشر من الفن الثالث.