والبرودة ، فإذا أردنا تعريف الحرارة لم نعرّفها بفعلها في ضدها ؛ لأنّا لا نعقل فعله في ضده إلّا بعد تعقل ضده ، وإنّما نعقل ضده بفعله فيه ، (١) فيلزم الدور ، بل المعرّف للحرارة لوازم فعلية ، وهي الصعود إلى الفوق ، والجمع بين المتشاكلات ، والتفريق بين المختلفات. وكذا البرودة بأفعال أخر تضاد تلك الأفعال ، وأمّا الرطوبة واليبوسة فإنّهما نعرّفهما بسهولة قبول الأشكال وعدمه ، وهي لوازم انفعالية. فلما عرّفنا الحرارة والبرودة باللوازم الفعلية ، والرطوبة واليبوسة باللوازم الانفعالية ، جعلنا الأوليين فعلية والأخريين انفعالية.
السبب الرابع : الكيفية لا تكون منفعلة البتة ، بل المنفعل إنّما هو الموضوع المستقل بنفسه ، والكيفية ليست كذلك ، بل الكيفية قد تكون علّة لصيرورة الموضوع مستعدا للانفعال ، وقد تكون علّة لصيرورته مستعدا نحو الفعل ، والرطوبة واليبوسة من قبيل الأوّل ، فسميتا بالانفعاليّتين ، والحرارة والبرودة من قبيل الثاني فسميتا بالفعليّتين.
السبب الخامس : إذا نسبنا الحرارة والبرودة إلى الرطوبة واليبوسة وجدناهما فاعلتين فيهما ، والرطوبة واليبوسة لا تفعلان فيهما إلّا بالعرض ، كالخنق (٢) المنسوب إلى الرطوبة ، وذلك إمّا بسبب أنّ الرطوبة تجمع الحار على شكل مضاد للطبيعة ، وإمّا لأنّ الأرطب (٣) الكثير لا ينفعل عن الحار ولا يستحيل إلى المادة الصالحة لحفظ الحرارة فلا يتولّد حار بعد حار ، فإذا انفصل الأوّل لم يعقبه الثاني ، كما يعرض عند كثرة دهن السّراج.
السبب السادس : اللمس يتأثر عن الحار والبارد ، ولا يتأثر عن الرطب واليابس إن قلنا إنّهما غير محسوستين.
__________________
(١) الضمائر كلّها كذا بالتذكير.
(٢) في النسخ : «الحقن» والصواب ما أثبتناه من المصدر.
(٣) كذا ، وفي المصدر «الرطب».