البحث السابع : في أنّ الوجود هل يقبل الشدة والضعف أم لا؟ (١)
وقبل الخوض فيه لا بدّ من تقديم معنى الشدّة والضعف أوّلا.
فنقول : فسّر أفضل المحقّقين (٢) الاشتداد بأنّه اعتبار المحل الواحد (٣) الثابت إلى حالّ فيه غير قارّ تتبدّل نوعيّته ، إذا قيس ما يوجد منها في آن [ما] (٤) إلى ما يوجد في آن آخر ، بحيث يكون ما يوجد في كلّ آن متوسطا بين ما يوجد في آنين يحيطان بذلك الآن ، ويتجدّد جميعها على ذلك المحلّ المتقوّم دونها من حيث هو متوجه بتلك المتجدّدات إلى غاية ما. ومعنى الضعف هو ذلك المعنى بعينه ، إلّا أنّه يؤخذ من حيث هو منصرف بها عن تلك الغاية ، فالآخذ في الشدة والضعف هو المحل ، لا الحالّ المتصرم المتجدّد (٥).
إذا عرفت هذا فنقول : اختلف الناس في أنّ الوجود هل يقبل الشدة والضعف أم لا؟ فأثبته قوم ونفاه آخرون.
احتج المثبتون : بأنّ معنى الاشتداد ثابت في الوجود ، فإنّه كما أنّ السواد يشتد باعتبار كونه كيفية يفرض العقل لها طرفين ، ووسائط تقرب بعضها من أحد الطرفين وبعضها من الآخر ، فأحد الطرفين هو السواد البالغ في السوادية ، الذي لا يوجد فوقه مرتبة زائدة عليه في السوادية ، والطرف الآخر البياض ، وأقرب
__________________
(١) راجع : كشف المراد : ٢٩ ؛ الأسفار ١ : ٤٢٣ ، فصل ٤ «في أنّ الوجود هل يجوز أن يشتد أو يتضعّف أم لا»؟
(٢) وهو الخواجة نصير الدين محمّد بن محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة (٦٧٢ ه).
(٣) وليس «الواحد» في كلمات الخواجة.
(٤) ق وج وم : «في آن إلى» والأصح ما أثبتناه.
(٥) وقد شرح المصنف معنى الاشتداد في الجوهر النضيد : ٢٧ (الفصل الثاني من المقولات).