الرطوبة من الكيفيات النافعة في الفعل والانفعال ، مع أنّ مطلوبه في هذا الفصل إثبات ذلك.
وأيضا حكم بكون الثقل والخفة لازمين للكثافة واللطافة بهذا المعنى حتى أنّ كلّ أخف ألطف بمعنى رقة القوام وقبول التقطيع والتشكيل ، وهذا هو الرطب عنده ، فتكون النار أرطب الأجسام.
وأيضا حكم أوّلا «بأنّ الرقة تدل على التخلخل دلالة الملزوم على اللازم والتخلخل يدل على اللطيف دلالة التضمن» ، وهو يناقض قوله في المقولات : إنّ الرقة قد توجد بدون الزيادة في الحجم كالنار تصير هواء ، فإنّه يزداد رقّته ، وينقص مقداره.
فالحق أن يقال : المراد من سهولة قبول الأشكال الرقة واللطافة ، ومن الرطوبة سهولة الالتصاق بالغير وسهولة الانفصال. والكثافة هي صعوبة قبول الأشكال. ومعلوم أنّ اللطافة غير نافعة في الفعل والانفعال إلّا بالعرض من حيث لا تمنع من الاختلاط بالغير. والرطوبة بمعنى سهولة الالتصاق نافعة ، لأنّها تفيد الاجتماع عن التشتت.
المسألة الثانية : في اللزوجة والهشاشة والبلّة والجفاف (١)
قد عرفت أنّ اللزوجة (٢) هي «الكيفية التي بها يسهل الالتصاق والاتصال ، ويعسر الانفصال والتفريق ، بل يمتد بها الشيء متصلا» ، فهي كيفية مزاجية لا
__________________
(١) انظر التعاريف كلّها في طبيعيات الشفاء ، فصل الاسطقسات ؛ المباحث المشرقية ١ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧.
(٢) قال الآمدي : اللّزج «ما يسهل تشكّله بأيّ شكل كان ويعسر تفريقه لامتداده متصلا. وأمّا الهشّ فعلى مقابلته» ، المبين : ٩٣.