المسألة الرابعة : في الحاجة إلى الميل
قال أفضل المحقّقين : المحرّك إنّما يحرّك بتوسط الميل. وسبب احتياجه إليه أنّ الحركة لا تخلو عن حدّ ما من السرعة والبطء ؛ لأنّ كلّ حركة إنّما تقع في شيء ما يتحرّك فيه المتحرك، مسافة كان أو غيرها ، وفي زمان ما. وقد يمكن أن يتوهم قطع تلك المسافة بزمان أقل من ذلك الزمان فتكون الحركة أسرع من الأولى ، أو بأكثر منه فتكون أبطأ منها. فإذن الحركة لا تنفك عن حدّ ما من السرعة والبطء ، والمراد منهما شيء واحد بالذات ، وهذه كيفية قابلة للشدة والضعف ، وإنّما يختلفان بالإضافة العارضة لهما ، فما هو سرعة بالقياس إلى شيء فهو نفسه بطء بالقياس إلى آخر.
ولما كانت الحركة ممتنعة الانفكاك عن هذه الكيفية ، وكانت الطبيعة التي هي مبدأ الحركة شيئا لا يقبل الشدة والضعف ، وكانت نسبة جميع الحركات المختلفة بالشدّة والضعف إليها واحدة ، وكان صدور حركة معينة منها دون ما عداها ممتنعا ـ لعدم الأولويّة ـ فاقتضت أوّلا أمرا يشتدّ ويضعف بحسب اختلاف الجسم ذي الطبيعة في الكم ، أعني : الكبر والصغر ، أو الكيف ، أعني : التخلخل والتكاثف ، أو الوضع ، أعني : اندماج الأجزاء وانفشاشها (١) ، أو غير ذلك. وبحسب ما يخرج عنه (٢) كحال ما فيه الحركة من رقّة القوام وغلظه ، وذلك الأمر هو الميل ، ثم اقتضت بحسبه الحركة.
ولما كان هو السبب القريب للحركة انقسم بانقسامها ، فمنه ما يحدث من
__________________
(١) في المصدر : «انتفاشها». ومثاله كشبر من الحديد يكون الميل فيه أكثر من الميل في شبر من العهن المنفوش.
(٢) أي بحسب اختلاف أمور خارجة عن الجسم.