وكيف وللحركة أسباب مادية وغائية وفاعلية؟! وإن عنى به مطلق السبب الذي لا يتوسط بينه وبين معلوله علّة أخرى مستقلة ، سلّمناه ، لكن لا يلزم من وجود هذا السبب وجود مسبّبه ، فلا يلزم من اجتماع الميلين إلى جهتين اجتماع الحركتين إليهما.
وأيضا نمنع عدم اجتماع الحركتين ، فإنّ الحركات المركّبة إنّما تتحقّق باجتماع حركتين فإن اتّحدت الجهتان حصلت سرعة فيها زائدة على البسيطين ، وإن تضادتا فإن تساويا في السرعة والبطء حصل للمتحرك مع حركته وتحريكه وقوف. وإن غلبت إحداهما ظهر الفصل في جهتهما. وإن اختلفتا حصلت حركة مركبة بين المقصدين. نعم الحركتان بالذات لا يمكن اجتماعهما كما ذكر.
المسألة الثامنة : في اجتماع الميلين مع اتّحاد الجهة
اعلم أنّ الطبيعة إذا كانت خالية عن المعاوق الداخلي والخارجي وكان لها أثر قابل للشدة والضعف فإنّها توجد ذلك الأثر أشد ما يكون وأقصى الممكن من ذلك المعلول.
وإذا تقرر هذا فنقول : إذا اقتضت الطبيعة ميلا إلى جهة ، ولا عائق لها ـ كالحركات الفلكية حيث لا عائق لها ولا مانع من الموانع الخارجية والداخلية غير مقتضى صورها النوعية، وكالعناصر لو قدّرنا خلاء العالم ـ لم يمكن أن يحصل لها ميل آخر غريب إلى تلك الجهة ؛ لأنّه لا يؤثر شيئا حيث استوفت الطبيعة كلّ الممكن وبلغت الغاية التي هي الطرف في الشدة.
لكن قد اعترض هنا باعتراض واقع (١) ، وهو أنّ كلّ نوع من مراتب الأشد
__________________
(١) في المباحث المشرقية ١ : ٤٠٣.