فرضناه خاليا عن المعاوق الطبيعي وحرّكه القاسر مسافة ما في زمان ما ، وفرضناه ممنوّا (١) بالعائق الطبيعي متحركا تلك المسافة بعينها عن ذلك المحرّك بعينه ، فإنّه يتحركها لا محالة في زمان أطول لامتناع أن تكون الحركة مع المعاوق كهي لا مع المعاوق. ثمّ لنفرض ذلك المتحرك يتحرّك تلك المسافة عن ذلك المحرك مع معاوقة أقل من المعاوقة الأولى على نسبة الزمانين ، فإنّه يقطعها لا محالة في زمان مساو لزمان عديم المعاوقة ، وذلك يستلزم تساوي الحركة مع العائق والحركة لا معه ، إلّا أن نجعل حركة عديم المعاوقة لا في زمان ، بل في آن ، وهو محال.
واعلم (٢) أنّ الحركة لا بدّ لها من كيفية ما هي سرعة أو بطء لا توجد عند الحكماء منفكة عنهما. والحركة تنقسم إلى نفسانية وغير نفسانية ، والنفسانية تحدّد النفس حالها من السرعة والبطء المتخيّلين لها بحسب الملائمة ، وينبعث عنها الميل بحسبها ، ومن الميل تتحصل الحركة السريعة والبطيئة.
وأمّا غير النفسانية ـ وهي التي مبدؤها طبيعة أو قسر ـ فتحتاج إلى ما يحدّد حالها تلك ، إذ لا شعور هناك بالملائمة وغيرها. فهي بحسب ذاتها تكاد تحصل في غير زمان لو أمكن ، وإذ لم يمكن فلا بدّ لها من أمر يحدّد لها ميلا يقتضيها (٣) ، وحالا تتحدّد بها ، ولا يتصور ذلك إلّا عند تعاوق بين المحرّك وغيره فيما يصدر عنهما ؛ لأنّ الطبيعة لا يتصور فيها من حيث ذاتها تفاوت ، والقاسر إذا فرض على أتم ما يمكن أن يكون لا يقع أيضا بسببه تفاوت ، والميل في ذاته مختلف ، فالتفاوت الذي بسببه يتعيّن الميل وما يتبعه ـ أعني الحدّ المذكور من السرعة والبطء ـ يكون بشيء آخر ، إمّا خارج عن المتحرك أو غير خارج عنه ، وهو المسمى
__________________
(١) أي مقترنا ومقدّرا ومبتلى.
(٢) قارن المصدر نفسه ٢١٨ ـ ٢٢١.
(٣) في النسخ : «يقتضيه» ، أصلحناها طبقا للمعنى وعبارة الطوسي.