المسألة الثالثة : في المبصرات غير الحقيقية
قيل : لا شيء من غير الثلاثة ـ أعني : الضوء واللون والطرف ـ بمرئي ، أمّا المقدار فلأنّ المحسوس لنا من الجسم ، إمّا السطح الواحد أو السطوح المحيطة به.
وأمّا المقدار الذي هو حشو ما بين السطوح ، فلا شك أنّه غير مرئي ، ولهذا فإنّ الحس لا يدل على كونه مجوفا أو مصمتا.
وأمّا البعد فكذلك أيضا ؛ لأنّا ما لم نشاهد بين المتباعدين جسما ملوّنا فنستدل بتوسطه بينهما على تباعدهما لا نعرف تباعدهما ، ولذلك لمّا لم تتأت هذه الطريقة في الكواكب المتباعدة لم نحس بتباعدها. ولو نظرنا إلى جدارين متباعدين بعيدين عنّا ولم نشاهد ما بينهما من الأجسام الملونة (١) فإنّا لا نحس ببعد أحدهما عن الآخر.
وأمّا الوضع والاتصال ففيهما إشكال.
والشكل داخل في الوضع.
والتفرّق عدمي. والعدد إنّما يدرك في الأجسام بواسطة التفرّق.
والحركة لا شعور بها إلّا عند اختلاف أوضاع الجسم المتحرك من الأجسام الملوّنة (٢) ، فإن لم يوجد ذلك لم يحصل الشعور بها ، فإنّا لو قدّرنا سفينة تجري على وجه البحر بأسرع حركة ، وليس في وجه البحر ارتفاع وانخفاض ، ولا رياح مضطربة متمانعة هناك ، بل يكون على نهج واحد ، فإنّ تلك الحركة مع كونها في غاية السرعة لا تكون محسوسة ، حتى أنّ سكان السفينة يتوهمون أنّها ساكنة ، فكيف تكون الحركة محسوسة بالبصر.
__________________
(١) و (٢) م : «اللونيّة».