في المسامّ الصغيرة من العفص وقبضه العفص بقوّة فاندمج بعضها في بعض ، وحصل السواد(١).
وأمّا المبيّضات فإنّها غير نافذة ، فلهذا لا يمكنها النفوذ في الأبيض ؛ على أنّ أصحاب الإكسير يبيّضون نحاسا كثيرا برصاص مكلّس وزرنيخ مصعّد ، وهذا يبطل ما قالوه في هذا الباب.
المسألة الثالثة : في الألوان المتوسطة
ذهب جماعة من قدماء (٢) الحكماء إلى أنّ اللون الحقيقي ليس إلّا السواد والبياض ، وما عداهما يحصل من تركيبهما ، لأنّهما الطرفان اللذان في غاية التباعد ، وهما كيفيتان حقيقيتان ، والضوء أيضا كيفية حقيقية زائدة عليهما.
فالسواد والبياض إذا اختلطا وحدهما حصلت الغبرة. وهل هي لون أم لا؟ وبتقدير كونه لونا فهل هي خالص أم لا؟
فالحق في الأوّل أن نقول : إنّها لون ، لأنّا ندرك الجسم معها على هيئة مخالفة لغيرها من الهيئات ، فإمّا أن يكون المرجع بها إلى ذات الجسم ، وهو باطل ، وإلّا لكان أغبر حال كونه أسود أو أبيض ، لأنّ ذاته موجودة حال كونه أسود وأبيض ، وأيضا كان تدرك الغبرة باللمس كما يدرك الجسم به ، وهو محال. أو يكون المرجع بها إلى عدم اللون ، وهو محال ، لأنّ العدم لا نحس به والغبرة محسوسة متميّزة في
__________________
(١) رأيه في السواد مأخوذ من رأي الطوسي في نقد المحصل : ١٤٤.
(٢) م : «قدماء» ساقطة. وانظر تراكيب الألوان وتأليفها في المصدر نفسه من الشفاء. والألوان الأوّلية عند ابن سينا كما هي عند أرسطو ، اثنان هما : الأبيض والأسود ، أمّا افلاطون فقد قال بأربعة ألوان أوّلية هي الأبيض والأسود واللامع أو الناصع والأحمر ، وقال انباذقلس وديموقريطس ، بأربعة ألوان أوّلية هي الأبيض والأسود والأحمر والأخضر. والألوان الأوّلية في العلم الحديث أربعة هي الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق. الإدراك الحسي عند ابن سينا ، للدكتور نجاتي : ١١٤ ـ ١١٥.