لأنّه هيئة وجودية حصلت بعد أن لم تكن. وقولنا «لذاته للشفاف» احتراز من الكمالات الحاصلة للشفاف ، لا من حيث إنّه شفاف ، فإنّها لا تكون ذاتية للشفاف. وقولنا «من حيث هو شفاف» لأنّ كماليته له إنّما هو باعتبار الشفافية التي هي عدم الضوء.
وجماعة أخرى حدّوا الضوء بأنّه «الكيفية التي لا يتوقف إبصارها على إبصار شيء آخر» (١) ؛ لأنّ الشيء إن لم يتوقف صحّة كونه مرئيا على اعتبار الغير فهو الضوء ، وإن توقف فهو اللون ؛ لأنّه لا يصحّ رؤيته إلّا بعد صيرورته مستنيرا ، وكلّ ما يصحّ رؤيته فإنّه يمنع عن رؤية ما وراءه ، فإنّ النفس إذا شاهدت في جهة شيئا استحال أن تبصر في تلك الحال في تلك الجهة شيئا آخر ، ولمّا كان إبصاره للمتوسط يجب أن يقع أوّلا ، لا جرم صار ذلك مانعا من إبصار ما وراءه ، فثبت أنّ اللون يمنع من إبصار ما وراءه. وكذا الضوء لوقوع (٢) الظل من المصباح عن المصباح (٣) ؛ لأنّ أحدهما يمنع أن يفعل الثاني في القابل (٤) ، وكذلك الإنسان لا يرى ما يتوسط بينه وبين ذلك الشيء. فظهر أنّ الشفاف يجب أن لا يكون مبصرا. وفساد هذه التعريفات ظاهر ، وقد عرفت فيما سلف أنّ المحسوسات لا يجوز تعريفها بحدّ ولا رسم.
المسألة الثانية : في مغايرة الضوء للحرارة واللون (٥)
ذهب قوم من قدماء الحكماء أنّ الضوء من جنس الحرارة. كأنّهم لم يفرّقوا
__________________
(١) واستحسنه الرازي في المباحث المشرقية ١ : ٤١٤.
(٢) س وق : «لرجوع».
(٣) كذا.
(٤) في عبارات الرازي : «المقابل».
(٥) راجع الثاني والثالث من ثالثة سادس الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤١١ ـ ٤١٤.