الخامس : الجسم إذا اجتمع فيه ضوء ولون ، فتارة ينعكس منه الضوء وحده إلى غيره، وتارة ينعكسان منه معا إلى الغير ، وذلك إذا كان قويا فيهما جميعا حتى يحمرّ المنعكس إليه، فلو كان الضوء هو ظهور اللون لاستحال أن يفيده لغيره بريقا ساذجا.
لا يقال : هذا البريق عبارة عن إظهار لون ذلك المقابل.
لأنّا نقول : فلما ذا إذا اشتدّ لون الجسم المنعكس منه ضوؤه أخفى لون المنعكس إليه وأبطله وأعطاه لون نفسه؟
واعلم أنّ الرجوع في هذا المقام إلى الضرورة أولى ، فإنّا نعلم قطعا أنّا ندرك كيفيتين متغايرتين هما اللون والضوء ، والحكم باتحادهما حكم بإبطال ما يشهد به الحس ، فلا يكون مقبولا عند العقل.
المسألة الثالثة : في أنّ الضوء ليس بجسم (١)
زعم بعض القدماء (٢) أنّ الضوء أجسام صغار تنفصل عن المضيء وتتصل بالمستضيء. وهذا باطل بوجوه (٣) :
الأوّل : إمّا أن يجعلوا الضوء نفس الجسمية ، أي المفهوم من أحدهما هو المفهوم من الآخر ، أو يجعلوا الضوء عبارة عن أجسام حاملة لتلك الكيفية تنفصل
__________________
(١) راجع التحصيل : ٦٨٦ وما يليها ، والمصدر السابق من نفس الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤٠٩ ـ ٤١١.
(٢) من الحكماء.
(٣) قال صدر المتألّهين : «وهذه الوجوه في غاية الضعف كما بينّاه فيما كتبنا على حكمة الاشراق» ، ثمّ يجيب على الوجوه واحدا تلو الآخر. فراجع الأسفار ٤ : ٩٠ ـ ٩١.