المسألة الثانية : في سبب الصوت (١)
للصوت سببان : قريب ، وبعيد :
فالقريب : هو تموج الهواء ، ولا نعني بالتموج حركة انتقالية من هواء واحد بعينه ، بل حالة شبيهة بتموج الماء ، فإنّه أمر يحصل بالتدارك بصدم بعد صدم مع سكون بعد سكون. وللتموج سبب قريب هو السبب البعيد للصوت ، وهو إمّا قرع أو قلع. فالقرع إمساس أحد الجسمين بالآخر بعنف ، والقلع تفريق أحد النصفين من الجسم من صاحبه بعنف ، كما تشق الخشبة أو الثوب بعنف. وإنّما اعتبرنا العنف ؛ لأنّ مطلق القرع ومطلق القلع لا يوجبان الصوت ، فإنّك لو قرعت جسما لينا كالصوف بقرع لين جدا لم يحدث صوت. وكذا لو شققت جسما يسيرا يسيرا ، أو كان المشقوق لا صلابة فيه ، فإنّه لا يكون للقطع صوت.
وقيل : السبب القريب للصوت هو القرع أو القلع ، وليس بجيد ، لأنّهما آنيان ، فإنّ القرع مماسة والقلع لا مماسة ، والصوت زماني ، والآني لا يكون سببا للزماني. وينتقض بالميل الذي هو سبب الحركة ، وبامكان كونهما معدّين (٢). ونمنع كون القلع آنيا.
وقول من جعل التموّج سببا قريبا يشعر بأنّا لو قدّرنا العالم خاليا لم يحصل الصوت من القرع والقلع العنيفين. والذي أوهم إسناد الصوت إلى التموّج شيئان :
الأوّل : متى رأيناه حاصلا حصل الصوت ، فإنّ طنين الطست ينقطع عند تسكينه على حالة واحدة ، فلولا حاجة الصوت إلى الحركة لم (٣) ينقطع طنينه عند سكونه.
__________________
(١) راجع المصادر نفسها ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤١٩ ـ ٤٢٠.
(٢) كذا في النسخ.
(٣) في النسخ : «وإلّا» قبل «لم» ، ولعلّه من زيادة الناسخ.